ـ(323)ـ الاعتراضات على الفكرة: وهناك اعتراضات أوردت(1) أو يمكن أن تورد على فكرة (منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي)، وهي في الحقيقة ناشئة من عدم وضوح هذه الفكرة وجذورها وأبعادها وضوابطها بالنحو الذي وضّحناها، أمّا في ضوء توضيحاتنا السابقة لهذه الفكرة فيظهر الجواب على جلّ تلك الاعتراضات، ورغم ذلك رأينا من المفيد الإشارة إلى جملة منها مع ذكر الجواب ولو بصورة مختصرة: فمنها: توهم أنّ هذه الفكرة بدعة واختراع جديد أُدخل في التشريع الإسلامي من دون دليل. وقد وضحنا في هذا البحث بالتفصيل أنّ هذه الفكرة ليست حديثة في روحها ومحتواها وليست اختراعاً جديداً من قبل المتأخّرين - وإن كان عنوانها الخاص باسم (منطقة الفراغ) جديداً - وأنّها من مستلزمات فكرة وجوب طاعة أولياء الأمور، فإنّ طاعتهم في نفس الدائرة التي يجب فيها طاعة الله تبارك وتعالى مباشرة غير معقولٍ، فلابدّ أن تكون هناك دائرة معيّنة لطاعة وليّ الأمر غير الدائرة التي يطاع فيها الله مباشرةً، وهي الدائرة التي عُبِّر عنها بمنطقة الفراغ في التشريع الإسلامي، والدليل على ذلك عبارة عن نفس أدلة وجوب طاعة وليّ الأمر - كالآية الكريمة ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً?(2) - إضافة إلى ما دلّ على عدم جواز طاعة مخلوقٍ في معصية الخالق. ومنها: توهّم أنّ فكرة (منطقة الفراغ) تعبّر عن وجود نقصٍ وقصور في التشريع الإسلامي، في حين قد ظهر من توضيحاتنا السابقة أنّ هذه الفكرة تعبّر عن كمال الإسلام _______________________________________ 1 - الاقتصاد الإسلامي بين فقه الشيعة وفقه أهل السنّة: قراءة نقدية في كتاب اقتصادنا، ط دار الصحوة - القاهرة. 2 - سورة النساء: 59.