ـ(320)ـ الذي عاش فيه الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم شأنه كشأن باقي العصور والأزمان التي لا يمكن أن تخلو عن المصالح الطارئة التي تستدعي وضع الحكم المناسب لها من قبل وليّ الأمر، بوصفه وليّاً وحاكماً منصوباً من قبل الله تبارك وتعالى، لا بوصفه مبلّغاً للأحكام الشرعيّة الإلهية، فإنّه صلّى الله عليه وآله وسلم إضافة إلى إعطائه منصب تبليغ الرسالة كان يملك منصب الحكم والولاية من قبل الله تبارك وتعالى وجاء الأمر بوجوب طاعته بوجه مستقلّ في القرآن الكريم بالإضافة إلى دخوله تحت عنوان (أُولي الأمر) حيث قال سبحانه وتعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً?(1). إذن؛ فلا شك في أنّه بوصفه رئيساً للحكومة الشرعية كان يمارس شؤون الحكم والولاية التي من جملتها ملء منطقة الفراغ ومعالجة المشاكل والحاجات الطارئة بوضع الأحكام والقوانين المناسبة لها وفقاً للظروف والأحوال التي كان يعيشها، غاية الأمر أنّنا اليوم - بسبب البعد الزمني عن عصر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وبأسباب أُخرى - قد يصعب علينا تمييز ما صدر عنه بوصفه مبلّغاً لأحكام الله تبارك وتعالى ورسالته عن ما صدر عنه بوصفه رئيساً للحكومة ووليّاً للأمر، وهذا ممّا يؤكّد دور الفقهاء والمجتهدين في استنباط الأحكام الشرعية، لأنّ القسم الأوّل يعبّر عن أحكام شرعية ثابتة لكلّ عصر وزمان، والقسم الثاني يعبّر عن أحكام صادرة بالولاية لمعالجة شؤون ذلك العصر، وعلى الفقيه أن يبذل جهده للتمييز بحسب موازين الاستنباط وقواعده العامّة التي منها: حجّية الظهور اللفظي والظهور الحالي للمعصوم، ومنها: دور القرائن الحاليّة ومناسبات الحكم والموضوع في تحديد الظهورات و... وقد تختلف الاتجاهات الاجتهاديّة في تشخيص ذلك. وفيما يلي نذكر بعض النماذج من الأحكام التي نحتمل صدورها من الرسول _______________________________________ 1 - سورة النساء: 59.