ـ(319)ـ منها عند علماء السنّة والشيعة - تهدف جميعاً عند الطائفتين إلى التوصّل إلى حكم الله الثابت في الشريعة الإسلامية، سواء نجحت في هذا الهدف أو لم تنجح، وهذا يختلف عن الحكم الذي يصدّره وليّ الأمر من عند نفسه لمعالجة المصالح الطارئة في دائرة منطقة الفراغ؛ فالمجتهد في موارد عوز النصّ سيُفتي وفق القواعد العامّة بحكمٍ معيّنٍ بوصفه حكماً لله تبارك وتعالى - سواء كان على مستوى الحكم الواقعي أو على مستوى الحكم الظاهري - وهو وإن كان قابلاً للخطأ والصواب فإنّه حجّة ومنجّز على الناس وفقاً لموازين الاجتهاد والتقليد. وأمّا وليّ الأمر فهو بوصفه مفوّضاً بأمر التشريع والتقنين في دائرة منطقة الفراغ فلن يفتي بحكمٍ بوصفه حكماً لله، بل إنّما يجعل الحكم ويشرّعه من عند نفسه بوصفه مفوّضاً بذلك من قبل الله تبارك وتعالى ويجب على الناس طاعته فيه. وكم فرق بين الأمرين؛ فالأوّل عبارة عن الفتوى بحكم الله تبارك وتعالى، والثاني عبارة عن الحكم الصادر بالولاية. وهكذا يظهر أنّ فكرة منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي تختلف اختلافاً جوهريّاً عن فكرة عوز النصّ، كما أنّ طريقة العلاج في كل منهما تختلف عن الأُخرى. وبمجموع ما ذكرنا ظهر أنّ الولاية على ملء منطقة الفراغ بالأحكام المناسبة وفق الظروف والأحوال منصبٌ إلهي فوّضه الله تبارك وتعالى لوليّ الأمر الشرعيّ في كلّ زمان ومكان ضمن الموازين والضوابط التي أشرنا إليها، وهو يختلف عن منصب الإفتاء الذي هو لكلّ الفقهاء والمجتهدين. منطقة الفراغ في عصر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم ولاشكّ في أنّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم كان يمارس الولاية على ملء منطقة الفراغ بالنحو المناسب للظروف والحالات التي كانت تمرّ بالأُمة الإسلامية في عصره، لأنّ العصر