ـ(318)ـ مباشرة - وإن كانت مشتملةً على شروط خاصّةٍ وعامّةٍ قابلةٍ للتطوّر من حيث الوجود الخارجي - قد صيغت - على ما فيها من شروط - بصيغ تشريعيّة ثابتة. وأمّا القسم الثاني من المصالح والملاكات وهي التي لا يمكن ضبطها في صيغ تشريعيّة ثابتة فلم يباشر فيه الإسلام بجعل الأحكام والتشريعات المناسبة لتلك المصالح، وإلاّ لزم تغيير الأحكام بين حين وحين، وهذا يستدعي تجديد النبوّة والرسالة، في حين أنّ الرسالة الإسلاميّة رسالة أبديّة خاتمة، وإنّما اتّخذ الإسلام في مثل هذه المصالح أُسلوباً غير مباشر فأمر بوجوب طاعة وليّ الأمر، فكلّما أمر به وليّ الأمر وفق الظروف والمتطلّبات المرحلية في كلّ زمان اتّصف بالشرعية ووجبت طاعته. والمساحة التي اتّبع فيها الإسلام هذا الأسلوب غير المباشر في التشريع نعبّر عنها بمنطقة الفراغ، وقد وضع الإسلام ضوابط عامّة لملء هذه المنطقة من قبل وليّ الأمر وحدّد لـه مجالات ذلك - كما سبق - وهذا يختلف عن مشكلة عوز النصّ في الأحكام الشرعية الثابتة، سواء كان هذا العوز ناشئاً من عدم تدوين نصوص السنّة المطهرة في كثير من المجالات، أو ناشئاً من ضياع نصوص السنّة في خضمّ الأحداث التاريخيّة، أو ناشئاً من كون متعلّق التكليف من الأُمور المستحدثة التي لم تكن موجودة في زمن التشريع كالتدخين وشرب القهوة وغير ذلك؛ فإنّ مشكلة عوز النصّ بأيّ سبب من هذه الأسباب بحاجة إلى الحلّ لمعرفة الأحكام الشرعيّة الثابتة في موارد هذا العوز، فلابدّ أن نعرف ما هو الحكم الشرعيّ الثابت في أمر التدخين مثلاً، بقطع النظر عن حكم وليّ الأمر بوصفه حاكماً وليّاً للأمر، وهذا لا علاقة لـه بمنطقة الفراغ بالمعنى الذي شرحناه. والحلّ المطروح لمشكلة عوز النصّ هو الرجوع إلى العمومات والإطلاقات والقواعد العامّة أو الأُصول العمليّة حسب الموازين والضوابط الاجتهاديّة المطروحة في علم الفقه والأُصول، وهذه الموازين والضوابط الاجتهاديّة - وإن كانت مختلفةً في جملة