ـ(317)ـ التشريع، لأنّ الأُمور المستحدثة التي لا نصّ فيها قد بلغنا أمر المشرِّع بالاجتهاد في معرفة أحكامها على ضوء مقاصد الشريعة العامّة، وقد تكوّن لدينا تراث فقهيّ ضخم بجهود العلماء المجتهدين الذين لم يتركوا أداةً لهذا الاجتهاد الشرعي إلا واستعملوها، كالقياس، والاستنباط، ومراعاة المصلحة، ودفع الضرر..."(1). وقد فات هذا الباحث أنّ (منطقة الفراغ) لا يقصد بها ما لا نصّ فيه بأيدينا، رغم وجود حكم شرعي ثابت لـه في أصل الشريعة، بل إنّما يقصد بها المساحة التي فُوّض فيها أمر التشريع والتقنين إلى وليّ الأمر كي يضع الحكم المناسب فيها، بحسب متطلّبات الظروف والملابسات المختلفة في كل زمانٍ ومكان. وذلك كما أشرنا إليه سابقاً من أنّ المصالح والملاكات التي اهتمّ بها الإسلام على قسمين: القسم الأول: تلك المصالح والملاكات التي لا تتغيّر بتغير الظروف والملابسات إلّا بالقدر الذي يمكن ضبطه في صيغ تشريعيّة ثابتة. والقسم الثاني: تلك المصالح والملاكات المتطوّرة إلى درجة لا يمكن ضبطها في صيغ تشريعيّة ثابتة. أمّا القسم الأول فقد باشر فيه الإسلام بجعل الأحكام والقوانين ضمن صيغ تشريعيّة ثابتة، حتّى وإن كانت تلك الصيغ التشريعيّة على نحو قضايا شرطيّة، مثل: (إذا استطاع الإنسان وجب عليه الحج) و(إذا كان واجداً للماء وجب عليه الوضوء) و(إذا لم يكن واجداً للماء وجب عليه التيمّم) و(إذا لاقى الطعام نجاسة حرم أكله) و(إذا بلغت الغلات حدّ النصاب وجبت فيها الزكاة)، وهكذا... وهناك شروط عامّة كشرط القدرة وعدم الضرر والحرج ونحو ذلك، فالأحكام الشرعية التي جعلها الإسلام بصورة _______________________________________ 1 - الاقتصاد الإسلامي بين فقه الشيعة وفقه أهل السنّة: قراءة نقديّة في كتاب اقتصادنا: 65، ط دار الصحوة للنشر - القاهرة.