ـ(311)ـ بين امتثال حكمين من الأحكام الإلهيّة الثابتة، ففي مثل ذلك يكون من حقّ وليّ الأمر أن يحكم على طبق ما يشخّصه من أهميّة أحد الحكمين على الآخر، ويجب على الأُمة إطاعته فيه، وليست هذه إطاعةً للمخلوق في معصية الخالق، لأنّ الأحكام الشرعية إذا تزاحمت في مقام الامتثال تقدّم الأهم على ما يقلّ عنه أهمّية، ولا يحقّ لوليّ الأمر أن يحكم إلاّ على طبق ما يعتقده من الأهمّية. المجال الثالث: مجال المصالح الطارئة في دائرة المباحات، فإنّ التصرفات التي لم يرد فيها تكليف إلزاميّ ثابت من قبل الشريعة الإسلامية لا نفياً ولا إثباتاً قد تحدث فيها مصالح وملاكات طارئة وفق الظروف والملابسات التي تمّر بالأمة الإسلامية بحيث تستدعي الالتزام بسلوك معيّن؛ ففي مثل ذلك يحقّ لوليّ الأمر أن يحكم بالالتزام بذلك السلوك حفظاً لتلك المصالح والملاكات، والأمثلة على ذلك كثيرة يمكن أن نذكر منها المصالح الاقتصادية الطارئة التي تستدعي في بعض الظروف وضع الضرائب المالية في دائرة أوسع ممّا أمر به الإسلام من الزكوات والأخماس الواجبة، وكذلك المصالح التي تستدعي في بعض الظروف تحديد الأسعار، وكذلك المصالح التي تستدعي وضع الضوابط الخاصة للمرور، إلى غير ذلك من المصالح العامّة التي تستدعي وضع جملة من القوانين والأحكام وفق الظروف والملابسات التي تمرّ بالأُمة الإسلامية أو بالشعب الذي يحكمه الإسلام، فإنَّ من شأن وليّ الأمر أو السلطة التشريعية المفوضة من قبله - أن يشخّص أمثال هذه المصالح ويصدّر الأحكام اللازمة على طبقها، ويجب على الأُمة أن تسمع لـه وتطيع. وهذا أيضاً لا يستلزم إطاعة المخلوق في معصية الخالق، فإنّ إعطاء كمّية من المال بعنوان الضريبة مثلاً، والالتزام بسعر معيّن أو بنسبة معينة من الربح في المعاملات، والالتزام بضوابط معينة في المرور... كلّها من الأمور المباحة بطبيعتها وليست فيها معصية للخالق تبارك وتعالى، فإذا أمر بها وليّ الأمر أصبحت واجبةً على الناس