ـ(305)ـ جذور الفكرة: والواقع أنّ جذور هذه الفكرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة النبوّة وأهدافها الرسالية العظمى، حيث إنّنا نجد أنّ الرسالات السماوية التي نزلت على يد الأنبياء والمرسلين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) - رغم أنّها تشترك في خطوطها العامّة ونزلت جميعاً لهداية البشرية وضمان مصالحها في إطار الحقّ والعدل - شهدت ظاهرة التغيير والتجديد في تفاصيل أحكامها وقوانينها ونُظمها طبقاً لما شهدته البشرية من أنواع التطور في فكرها وإدراكها وثقافتها وحضارتها ومعنوياتها وماديّاتها ومشاكلها وتعقّداتها الاجتماعية والفردية إلى غير ذلك، ممّا كان يستدعي تغيير النبوّة والرسالة بين حين وحين من تاريخ البشرية، فكانت كلّ رسالة من تلك الرسالات تباشر معالجة الحاجات والمصالح المقطعية والمتطورة بنسبة معيّنة في عصرها إلى جنب ممارستها للخطوط العامّة الثابتة(1)، وقد تدرّجت الرسالة الإلهية نحو التكامل والسعة والشمول إلى أن بلغت ذروتها على يد الرسول الأعظم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وقد استقرّت المشيئة الإلهية على ختم الرسالة على يده الكريمة، فكانت الرسالة الإسلامية رسالة أبديةً خاتمة بالإضافة إلى كونها أكمل الرسالات السماويّة وأتمّها وأسماها. وهي بحكم كونها أكمل الرسالات وأتمّها لابدّ لها أن تشتمل على جميع ما يقتضيه النظام الاجتماعي الصالح للبشريّة بما فيه من عناصر ثابتة وعناصر متطوّرة، ولكنّها بحكم كونها رسالةً أبديّةً خاتمة لابد لها أن لا تباشر بتشريع العناصر المتغيرة بصورة _______________________________________ 1 - لاحظ بهذا الصدد محاضرة قيّمة لأُستاذنا الشهيد الصدر قدس سره تحت عنوان "التغيير والتجديد في النبوّة"، وقد طبعت مع مجموعة أخرى من محاضراته تحت عنوان "أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف" دار التعارف. بيروت.