ـ(290)ـ فرضتها لعجز الأُمة عن الوحدة الشاملة، والخلافة الناقصة خلافة ضرورة أو اضطرار ولا تُقارن بالخلافة الصحيحة الواحدة، وهي ما تسمّى بالخلافة الراشدة للخلفاء الأربعة، ولكن هذه الخلافة الناقصة هي على العموم أحسن من غياب الخلافة بالكامل. لقد شنّ الإمام علي عليه السلام ثلاث حروب لمنع انتقال الخلافة الصحيحة إلى خلافة ناقصة؛ حربه ضدّ طلحة، ثمّ ضدّ الخوارج، ثمّ ضدّ معاوية، ولكن حركة التاريخ غالبة، أو أنّ الإيمان لم يكتمل بعد لدى الأُمة الإسلامية؛ لم يكونوا مؤمنين ولكن كانوا مسلمين فقط، وهذا النقص تكرّر مرة أخرى في انفصال الأندلس وشخصيّاً أعتقد أنّ نقص الإيمان هو السبب الأول، ودليلي على ذلك هو الردّة الشاملة التي حدثت بمجرّد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم. ولقد ظلّ الإحساس بنقص الإيمان هذا يقلق الأقلّية المؤمنة، فكان الإصرار على سرعة اختيار خليفة بمجرد وفاة السابق لعله بهذه السرعة يحافظ على الوحدة للأُمة كلّها، فاختيار الخليفة الأول تمّ حتى قبل دفن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، واختيار الخليفة الثاني عمر تمّ قبل أن يموت الخليفة الأول، فيما يسمى بالاستخلاف، فلما قتل عمر تمّ اختيار عثمان خلال ثلاثة أيام، ولما قتل عثمان تمّ اختيار علي خلال ثلاثة أيام أيضاً. هذا يمثل اللهفة والحرص على الوحدة العامة ممثلة في خليفة واحد، فتتأتّى الخلافة الصحيحة، ولكن مع حركة التاريخ ومع ضعف الإيمان تحلّ علينا الخلافة الناقصة وتنقسم دار الإسلام الواحدة إلى عدّة شقق، وتصبح الوحدة مجرد مبدأ تحرص عليه الأُمة المغلوب على أمرها من حكامها. وربّما كانت حركة التاريخ ذاتها - بما فيها من تيارات اجتماعية - تدحرج كرة الوحدة السياسية في كل المجتمعات البشرية من وحدة اندماجية شاملة إلى فيدرالية إلى منظمة دولية، وعلى كل حال، إن كنّا فرطنا في الوحدة عملياً فيجب علينا ألاّ نفرط في