ـ(289)ـ مهدية ثمّ سنوسية ثمّ إخوان مسلمين وجماعة إسلامية، إنّما تكسّرت رماحها أو فشلت لأنّها سعت إلى دولة أو سلطة قبل أن تسعى إلى تكوين أًمّة، والوضع السليم هو أمّة لا دولة أولاً أو أُمة قبل الدولة، ثمّ خلافة لا سلطة أو خلافة قبل أنّ تكون سلطة؛ والمقصود بالخلافة بدون سلطة هو مبدأ القدوة، بمعنى أنّ إمام المسلمين إنّما يقودهم بأن يكون هو قدوة أولاً، لا بالشرطة أو القوانين القمعية التي توضع من قبل السلطة هذا هو المطلوب، فكيف الوصول؟ والواقع أنّ القرآن يذكر الأُمة ويركز عليها وعلى وحدتها، بينما إذا جئنا إلى الحكومة فالقرآن يقول: ?...إن الحكمُ إلاّ لِله?(1) فالحكومة إذن حكومة تنفيذية، والأصل أنّ الإسلام أُمّة يحكمها الله. وإذا كان اختلاف اللغات واختلاف الأوطان واختلاف الأجناس لا يمنع وحدة الأُمة، مع أنّها كلها ظواهر من البيعة ذاتها، فلماذا نسمح لاختلافات المذاهب - وهي اختلافات اصطناعية لا طبيعية - أن تمنع هذه الوحدة؟! وإذا كانت هذه أُمّة واحدة ويحكمها الله تعالى فإنّما يحكمها عن طريق خليفة أو إمام عام؛ هذا الخليفة يمثّل السلطة الإسلامية، وهو رمز الوحدة. والخلافة هي إيديولوجية الإسلام لأنّها تعني الوحدة تحت قانون الله، والمبدأ الأساسي في القانون العام الإسلامي هو الوحدة. على أنّه - تاريخياً - كان هناك تعدّد للدول الإسلامية وتعدّد للخلفاء، فكان هناك في وقت واحد خلافة عباسية في بغداد إضافة إلى خلافة فاطمية في القاهرة وخلافة أُموية في قرطبة. ومعنى ذلك أنّ كلّاً من هذه الثلاثة إنّما هو خلافة ناقصة، ولكن الضرورة التاريخية _______________________________________ 1 - سورة يوسف: 40.