ـ(285)ـ المفهوم السياسي أو أيديولوجيا دولة الإسلام؛ فمعنى إخاء المهاجر للأنصاري أنّ أُخوة الإسلام هي فوق أُخوّة الدم ذاته، ومن ثمّ فهي فوق أُخوّة الأوطان وأُخوّة القوميات، وهي أيضاً فوق أُخوّة المذهبيات. هذه الأُمة الإسلامية الواحدة ممزّقة الآن بسكاكين القومية والوطنية والمذهبية، وكلما دعيت إلى الوحدة الإسلامية كان الرد: هذا تدخل في الشؤون الداخلية لكلّ دولة من هذه الدول. أي أصبحت آية ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً..ِ.?، ومبدأ مؤاخاة المهاجر للأنصاري محرّمين وممنوعين ومعاقباً عليهما، وقد يعدم من يدعو إليهما !. إنّ المبالغة في المذهبية لا تفترق عن الشوفينية القومية والشوفينية الوطنية، تفرق بنفس القدر الذي يمنع به الحاكم القومي أو الحاكم الوطني قيام وحدة هذه الأُمة، وبدلاً من أن تصبح المذاهب المختلفة روافد تصب في نهر الإسلام ووسائل نقل فكري توصل الأُمة الإسلامية إلى تحقيق الأمر الإلهي ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً..ِ.? تصبح هي التي تُخضِع الإسلام لها وتعتبر مَنْ دخل في مذهب معين هو المسلم فقط. بينما الوضع الصحيح أن تَخضَع هي (أي كلّ المذاهب) للإسلام بحيث تحقّق الأمر الإلهي ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً..ِ.?. أُمتنا كافة مارست المذهبية نحو (13) قرناً، وذاقت مرارة الشوفينية والتعصّب القومي والوطني والمذهبي. يجب أن ننظر الآن إلى كل المذاهب على أنّها اجتهادات وأنّ لكل زمان اجتهاداته، ولا يمكن لأيٍّ من أئمّة المذاهب أن يدرك ما سيصيب الأُمة من بعد وفاته وعلى مدى آخر الزمان. غير معقول أنّ أذان الصلاة الإسلامي لا ينقطع عن الانطلاق لحظة واحدة من بقاع الأرض طوال اليوم والليل، وغير معقول أنّ الطواف حول الكعبة لا ينقطع أبداً ليلاً ولا نهاراً، وغير معقول أنّ كل المسلمين يقرؤون نفس الآيات ثمّ بعد ذلك يتحاربون