ـ(256)ـ فهاجر إلى المدينة المنورة. ثمّ أعلنت قريش الحرب على النبي محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه، ودامت زهاء عشر سنين، وفقد الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله أسنانه الكريمة وعددا كبيرا من صحابته، وكسرت رباعيته وعانى مع شعبه ما تعانيه الشعوب الضعيفة بعد إعلان الحرب عليها. ثمّ نصره الله بفتح مكة قبيل نهاية رسالته بعامين بعد ثلاثة وعشرين عاما من الجهاد، وسجل الرسول الأكرم محمد ص بمقولته المشهورة "اذهبوا فأنتم الطلقاء" أعظم معجزة للرحمة والعفو في التاريخ، استبعادا لوجود إنسان بهذه الشيم! لا يوجد في التاريخ مثيل لما ضربه النبي محمد صلى الله عليه وآله في حياته الكاملة من الأخلاق العالية والتضحيات العظيمة والزهد في الأموال والملذات. وما أصدق ما قاله البروفيسور بور سورث سميث: "عندما أُلقي نظرة إجمالية استعرض فيها صفاته وبطولاته ما كان منها في بدء نبوته، وما حدث منها فيما بعد، وعندما أرى أصحابه الذين نفخ فيهم روح الحياة، وكم من البطولات المعجزة أحدثوا، أجده أقدس الناس وأعلاهم مرتبة، حتى ان الإنسانية لم تعرف لـه مثيلا"(1). وقد روى عمر بن الخطاب أنه دخل حجرة النبي صلى الله عليه وآله: "فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبين جسده الطاهر فراش، فقد أثر الرمل بجنبه، متكئا على وسادة حشوها ليف، قلت يا رسول الله ادع الله فليوسع على أُُمتك، فإن فارس والروم قد وسع عليه وهم لا يعبدون الله، فقال أو في هذا أنت يا بن الخطاب ؟ أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، (وفي رواية) أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة". يا ترى ماذا كان يدفع محمداً صلى الله عليه وآله إلى حياة التقشف القاسية هذه رغم كونه ________________________________ 1ـ Mohammad g Mohammadanism p.340