ـ(255)ـ الرسول محمد صلى الله عليه وآله لم يكن موضع شك مطلقا لدى أهل مكة عندما أعلن النبوة لعلمهم التام بحياته الكاملة، ولذلك لم يجرؤ أحد منهم على محاولة النيل من أمانته وصدقه عن طريق رميه بتهمة الكذب أو الاحتيال. بل يسجل التاريخ أنه: "ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلاّ وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته"(1). يقول الدكتور ليتز عن الرسول محمد صلى الله عليه وآله: "انني لأجرؤ بكل أدب أن أقول: إنّ الله هو مصدر ينابيع الخير والبركات كلها، لو كان يوحي إلى عباده فدين محمد هو الوحي، لو كانت آيات الإيثار والأمانة، والاعتقاد الراسخ القوي ووسائل التمييز بين الخير والشر، ودفع الباطل هي الشاهد على الإلهام، فرسالة محمد صلى الله عليه وآله هي هذا الإلهام" (2). لقد تعرض الرسول محمد صلى الله عليه وآله لجميع صنوف الأذى والاضطهاد والاهانة من قومه عندما أعلن دعوته، كما فرضوا عليه- هو- وعشيرته بني هاشم، المقاطعة والحصار لمدة ثلاث سنين، وهم لا يجدون ما يسدون به حاجة البطن من الطعام إلاّ أوراق شجر الطلح الجبلية المرة؛ ويروي أحد الصحابة في هذه المقاطعة أنه عثر مرة على قطعة جافة من الجلد فغسله بالماء ووضعه على النار، ثمّ بلله بالماء ثانية وأكله. لقد لقي النبي محمد صلى الله عليه وآله أسوأ معاملة من أهل الطائف التي توجه إليها بدعوته بعد الخروج من ذلك الحصار الكئيب، ولم تثن هذه المعاناة الشديدة عزيمة الرسول محمد صلى الله عليه وآله فظل يدعو إلى الحقّ حتى اقتنعت قريش بأنه لا يمكن إيقاف دعوته إلاّ بتدبير مؤامرة لاغتياله عندما يخرج من بيته لصلاة الصبح، ولكن الله سبحانه وتعالى نجاه بأعجوبة، ________________________________ 1ـ سيره ابن هشام 2: 98. 2ـ Life of Mohammad by Abul Fadl