ـ(23)ـ وهذا هو السبب الرئيسي- في تصورنا- الذي أدّى إلى ظهور النزعة التجزيئية في التفسير وشيوعها. وهذا الشيء هو ما نشاهده أيضاً وفي كلّ النصوص التي تتصف بقدسية خاصة في ترتيبها- من ناحية ورودها وحفظها ضمن تسلسل معين- وإن كان بدرجة أقل من القرآن الكريم؛ كنهج البلاغة والصحيفة السجادية، فشروحهما وفي مختلف العصور شروح وفق المنهج التجزيئي. ولعل انتهاج الدراسات الفقهية للمنهج الموضوعي منذ بداية نشأتها والتطور الذي حصل فيها مرده إلى أنّ الحديث النبوي لم يوضع، لا من قبله صلى الله عليه وآله ولا من قبل الصحابة في الصدر الأول ضمن نص وتسلسل مقدس معينين، يبدأ برواية خاصة وينتهي برواية معينة أخرى، بحيث يصبح هذا الشكل موضوعاً للأبحاث والدراسات بعد ذلك، بل جاء ومنذ البداية على هذا الشكل المتفرّق، وإنّما تمّ جمعه في عصور متأخرة وكعمل وجهد إنساني محض. الثاني: انتفاء الحاجة للبحث الموضوعي: وهو ما أشرنا إليه سابقاً، وما ذكره السيد الشهيد الصدر قدس سره، وهو وجود الحاجة الاجتماعية إلى البحث الموضوعي في هذا العصر أكثر من غيره، وذلك لأن المسلمين كانوا قد عاشوا النظريات الإسلاميّة سابقاً من خلال التطبيق، وقد كانت موجودة بينهم بشكل إجمالي وعام؛ وعلى هذا الأساس لم يكونوا يشعرون بأهمية البحث الموضوعي خصوصاً في القضايا الاجتماعية. ولذا نلاحظ أن التفسير الموضوعي للقرآن الكريم على مستوى العقائد والفقه قد برز منذ القرن الأول، وذلك لبروز الحاجة إليه من خلال الصراعات العقائدية التي اجتاحت المجتمع آنذاك، ولأن العقائد لا يعيشها الإنسان من خلال الممارسة الخارجية،