ـ(229)ـ والأولوية لا معنى لإدراجه في مباحث الأُصول، لأنه لا يؤدي إلى نتيجة استنباطية؛ وإذا كان بمعنى عدم النظر إلى السنّة إلاّ أحوجنا الكتاب إليها فهذا المعنى غريب إذ لا يعقل الاستغناء بالكتاب ومن السنّة بيانه وشرحه وشروط أحكامه، ثمّ ختم قائلاً: "فالحق أن السنّة في مجالات الاستدلال صنو للكتاب وفي رتبته"(1). ويمكن أن يكون قولـه تعالى: ?وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى _ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى?(2) دليلاً على ما ذهب عليه، فإن الآية تدل على أن الوحي ليس خاصاً بما يتلوه النبي صلى الله عليه وآله من القرآن وإنّما شامل لكل ما ينطق به، ولذا قسّم الغزالي الوحي إلى ما يتلى فيسمى كتاباً وما لا يُتلى وهو السنّة؛ وحينئذٍ فالكتاب والسنة يرجعان إلى أصل واحد وهو الوحي الذي هو وحدة شرعية واحدة لا يمكن التفكيك بين أجزائه ولا إجراء التفاضل بين هذه الأجزاء. ومن البحوث التي تناولوها ضمن بحث السنّة بحث سنة الصحابة، حيث ذهبوا إلى حجية سنة الصحابة؛ قال الشاطبي: "سنة الصحابة- رضي الله عنهم- سنة يعمل عليها ويرجع إليها". واستدل على ذلك بثلاثة أدلة هي: 1ـ ثناء الله تعالى عليهم، مثل قولـه تعالى ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ?(3). 2ـ الحديث الوارد في وجوب أتباعهم مثل قولـه صلى الله عليه وآله: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ" وغير ذلك. 3ـ تقديم جمهور العلماء لأقوال الصحابة عند الحاجة إلى ترجيح الأقوال(4). ________________________________ 1ـ السنّة في الشريعة الإسلاميّة 134- 137، محمد تقي الحكيم. 2ـ سورة النجم 3 و 4. 3ـ سورة آل عمران: 110. 4ـ الموافقات: 74- 77، أبو إسحاق الشاطبي.