ـ(225)ـ الصواب"(1)، أي إن الله سبحانه لا يقر النبي على اجتهاده الخاطئ فيرجعه إلى الصواب قبل أن يعمل به. وهذا رأي لا يكاد يستقر على وجه، فإنّ النبي صلى الله عليه وآله إذا كان لا ينطق عن الهوى، وان هو إلاّ وحي يوحى فيكون كلّ حديثه وحياً يوحى، فلا وجه لتقسيم السنّة إلى الوحي والاجتهاد، وما معنى الاجتهاد إذا كان الصواب فيه أمراً حتمياً ؟ وما هي حاجة النبي صلى الله عليه وآله إلى الاجتهاد الذي يؤدي إلى حكم قد يوافق الواقع وقد يخالفه، وهو قادر على تحصيل الحكم الواقعي من الوحي مباشرة ؟ إنّ فكرة اجتهاد النبي صلى الله عليه وآله التي درج عليها أُصوليو المذاهب الأربعة تحتاج إلى بحث مستفيض وفرصة كافية، لأنها من نقاط الاختلاف المهمة بين المدرستين الأصوليتين: المدرسة الإماميّة ومدرسة المذاهب الأربعة. السنة النبوية من منظار علماء المذاهب الأربعة: أفاض علماء المذاهب الأربعة في دراسة السنة النبوية بوصفها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، فبحثوا في المعنى اللغوي للسنّة، ثمّ المعنى الاصطلاحي وهو الذي تسالم عليه المسلمون- في الجملة- من كونها قول النبي صلى الله عليه وآله وفعله وتقريره واستدلّوا على حجيتها، وناقشوا المنكرين لها، ثمّ قسموها تارة إلى السنة القولية والفعلية والتقريرية، وتارة أخرى إلى السنّة المتصلة السند وهي الأخبار المتواترة وأخبار الآحاد، والسنة غير المتصلة السند وهي المراسيل، ثمّ عرّفوا كلّ قسم من هذه الأقسام وحكمه وشروطه. فالسنّة المتواترة هي "ما رواها عن الرسول وآله جمع يمتنع عادةً تواطؤهم على ________________________________ 1ـ الموافقات 4: 21، أبو إسحاق الشاطبي، دار المعرفة، بيروت.