ـ(224)ـ مدّعاهم دون التفاتٍ منهم إلى أنه لا ينهض دليلاً على ذلك البتة، وبمرور الزمن أصبح علامة يعرف بها هؤلاء بحيث جعلت المدافعين عن حجية السنّة يغفلون عن عدم دلالة الحديث على إنكار حجية السنّة، ويقعون في نفس المفارقة العلمية التي وقع فيها المنكرون. لا يقال: إن الحديث إذا كان لـه أو عليه شاهد من الكتاب يؤيده أو ينفيه فحينئذٍ يكون الشاهد القرآني هو الحجة لا الحديث المشهود لـه أو عليه، وحينئذٍ لا معنى لشهادة القرآن إلاّ إلغاء السنّة عملياً، فإنه يقال: إنّ ذلك الشاهد القرآني قد لا يكون جلياً واضحاً في نفسه، فيحتاج إلى إشارة من السنّة تدل عليه وتشير إليه، وكم من الأمور التي تقع في امتداد القرآن لكننا لا يمكننا ان نكتشفها، فتأتي السنّة لتكشف عنها وتقول: إنّ هذا ممّا يوافق القرآن فنأخذ به. وفي خاتمة البحث عن حجية السنّة تجدر الإشارة إلى أنّ السنّة- وحيث ثبت كونها جزءاً من الوحي والتشريع- لا تتناسب مع وصف الاجتهاد، وما اعتقده بعضهم من ان النبي صلى الله عليه وآله يجتهد أحياناً، فإن الاجتهاد لا يمتنع فيه السهو والخطأ، ومن غير الممكن أنّ يقع الخطأ والسهو في سنة الرسول صلى الله عليه وآله، فلا يصحّ قول بعضهم: "ان اجتهاد الرسول صلى الله عليه وآله في الأحكام أساسه القرآن وروح التشريع" (1) بخاصة وأن هذا القائل أثبت حجية السنّة بعصمة النبي صلى الله عليه وآله عن الذنب والخطأ والسهو. وذكر الشاطبي في الموافقات: "أن الحديث إمّا وحي من الله صرف، وأما اجتهاد من الرسول صلى الله عليه وآله معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة، وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله، لأنّه صلى الله عليه وآله ?وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى _ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى? وإذا فرع على القول بجواز الخطأ في حقه فلا يقر عليه البتة، فلابد من الرجوع إلى ________________________________ 1ـ أُصول الفقه الإسلامي: 463، د. وهبة الزحيلي.