ـ(223)ـ وردّوا هذا الحديث بأنّه موضوع مختلق تارة، وبأنه عُرض على الكتاب فأمر الكتاب بالأخذ بسنّة الرسول وطرح هذا الحديث تارة أخرى. ومعلوم أن فكرة عرض الأحاديث على القرآن لتمييز السليم منها عن السقيم هي ممّا يتبناه علماء الأُصول الأماميون في مجالات حل التعارض بين الأدلة الشرعية، ولديهم في ذلك روايات كثيرة صحيحة تدل على الأخذ بما وافق كتاب الله وضرب ما خالفه عرض الجدار لأنه زخرف. وهكذا فإن فكرة العرض على القرآن لا تنسف حجية السنّة، ولا ضرورة في نسبتها إلى الخوارج والزنادقة؛ ولو أنّها تنسف حجية السنّة لنسف الحديث المذكور نفسه، ولأصبح احتجاج الخوارج به لغواً، فكما ان إثبات السنّة بالسنة أمر دائر، فكذلك إبطال السنّة بالسنة نفسها أمر باطل. ولا شك أنّ عدم تواصل المدرستين الأصوليتين السنية والإمامية هو العامل المسؤول عن ظهور مثل هذه المفارقة العلمية بشكل يبيّن مدى الحاجة إلى هذا التواصل العلمي. ويبدو أنّ الشاطبي قد فهم- كغيره من أصوليي السنّة- من الحديث المذكور أن السنّة تصبح فيه راجعة إلى الكتاب، فعلّق قائلاً: "ولقد ضلت بهذه الطريقة طوائف من المتأخرين.. فالقول بها والميل إليها ميل عن الصراط المستقيم" (1). ولكن بعد أربع صفحات عاد فقال: "وإذا كان الحديث مخالفاً يكذّبه القرآن والسنة وجب أن يدفع ويعلم أنه- أي الرسول صلى الله عليه وآله- لم يقله، والحاصل من الجميع صحة اعتبار الحديث بموافقة القرآن وعدم مخالفته". وهذا تهافت واضح، فأن التعليق الأخير هو عين مضمون فكرة عرض السنّة على القرآن التي اعتبر القول بها ميلاً عن الصراط المستقيم. ومن الراجح أن منكري حجية السنّة تمسكوا بهذا الحديث بصفته دليلاً على ________________________________ 1ـ الموافقات 4: 19، أبو إسحاق الشاطبي.