ـ(222)ـ عقلية، إذ مع إمكان صدور المعصية منه، أو الخطأ في التبليغ، أو السهو، أو الغفلة لا يمكن الوثوق أو القطع بما يدّعي تأديته عن الله عز وجل، لاحتمال العصيان أو السهو أو الغفلة أو الخطأ منه، ولا مدفع لهذا الاحتمال"(1). رغم أنه أشكل على هذا الدليل ثمّ رد الأشكال بمحاولة لا تخلو من الصعوبة والتعقيد بصورة تثير التساؤل عن السر الذي جعله يصف هذا الدليل بأنه امتن الأدلة بدلاً من الدليل القرآني الذي لا يحتاج إلى هذه العناية الفكرية الواسعة. وواصل أصوليو المذاهب الأربعة هذا البحث فأخذوا يناقشون أدلة المنكرين لحجية السنّة القائلة بأن كتاب الله وصف نفسه بأن تبيان لكل شيء، وأن القرآن لو احتاج إلى السنّة لما كان تبياناً لكل شيء ولكان مفرّطاً؛ ثمّ أن الله سبحانه تكفل بحفظ القرآن ولم يتكفل بحفظ السنّة. وردّوا هذه الأدلة بأن القرآن ارشد إلى السنّة، وحينئذ تكون بيانات السنّة بمنزلة البيانات القرآنية، ويكون القرآن تبياناً لكل شيء، ولولا السنّة لا يكون القرآن كذلك بدلالة الوجدان، لأن أكثر الشريعة مأخوذ من السنّة كأجزاء الفرائض وشرائطها وسننها ومبطلاتها وموانعها وأكثر أبواب الفقه في المعاملات والإيقاعات(2). وفي هذا السياق ذكروا أن الزنادقة والخوارج وضعوا حديثاً يقول: "ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وان خالف فلم أقله وكيف أخالف كتاب الله وبه هداني"(3). ونسب إلى الشافعي انه قال عن هذا الحديث: "ما رواه أحد ممن يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير"(4). ________________________________ 1ـ السنّة في الشريعة الإسلاميّة: 14، محمد تقي الحكيم. 2ـ أُصول الفقه الإسلامي: 458ـ 460، د. وهبة الزحيلي. 3ـ إرشاد الفحول: 33، محمد بن علي الشوكاني. 4ـ أُصول الفقه الإسلامي 458، د. وهبة الزحيلي.