ـ(143)ـ من الضروريات التي لا تقبل التشكيك. 5ـ ?رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ?(1). هذه الآية الكريمة قد شغلت أذهان المفسّرين قروناً عديدة، وذهبوا في تفسيرها مذاهب شتّى؛ فقال بعضهم: المراد مشرق الشمس ومشرق القمر ومغرباهما، وحمله بعضهم على مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما. ولكن الظاهر أنّ المراد بها الإشارة إلى وجود قارّة أُخرى تكون على السطح الآخر للأرض يلازم شروق الشمس عليها غروبها عنّا، وذلك بدليل قولـه تعالى: ?حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ?(2)، فإنّ الظاهر من هذه الآية أنّ البعد بين المشرقين هو أطول مسافة محسوسة، فلا يمكن حملها على مشرقي الشمس والقمر، ولا على مشرقي الصيف والشتاء، لأنّ المسافة بين ذلك ليست أطول مسافة محسوسة، فلابدّ من أن يراد بها المسافة التي ما بين المشرق والمغرب. ومعنى ذلك أن يكون المغرب مشرقاً لجزءٍ آخر من الكرة الأرضية ليصحّ هذا التعبير، فالآية تدلّ على وجود هذا الجزء الذي لم يكتشف إلاّ بعد مئات من السنين من نزول القرآن(3). وعلى هذا فالآيات التي ذكرت المشرق والمغرب بلفظ المفرد يراد منها النوع كقوله تعالى: ?وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ?(4). وفي الختام تؤكّد ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ القرآن ليس كتاباً يعالج قضايا العلوم الطبيعية والرياضية والهندسية وغيرها، وإنّما يتعرّض لبعض القوانين السائدة على الكون لأجل الاهتداء بها إلى المعارف الإلهية، وعلى ذلك فلا يصحّ الإكثار في تطبيق الآيات ________________________________ 1ـ سورة الرحمن: 17. 2ـ سورة الزخرف: 38. 3ـ راجع البيان في تفسير القرآن للإمام الخوئي: 70- 74، منشورات أنوار الهدى، والإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل للأستاذ السبحاني 2: 400- 415. 4ـ سورة البقرة : 115 .