ـ(140)ـ يتبيّن الرشد من الغّي، وأن يحيا مَن حيّ عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة، ويتمّ بذلك الحجة على البشر المعاصر في العصور السابقة إلى عصر الرسالة ولا ريب أنّ القيام بهذه الرسالة العظيمة من وظائف علماء الإسلام، وفي مقدّمتهم المفسرون لكتاب الله العزيز. وفي جانب تلك الحاجات العصرية الجديدة، هناك حاجة أعظم من غيرها بكثير، وهي ثابتة باقية طوال الحياة البشرية قديماً وحديثاً، وهي الحاجة إلى تنمية القيم الأخلاقية العليا وإحياء الكرامات الإنسانية على قلوب البشر وضمائرهم، إذ الحياة العارية عن تلك القيم والفضائل أشبه بنهر عديم الماء، وليس فيه خير ورحمة وإن علت ورقت في جانب العلم إلى أرقى الدرجات، وهذا- مع الأسف الشديد- ما نشاهد في حياة البشر في عصرنا الحاضر، ففي حين ارتقائه العلمي إلى درجة كبيرة، رجع في القيم الإنسانية القهقرى بحيث صارت الجاهلية في هذا المجال أسوأ وأقبح من الجاهلية الأُولى. وإذا كانت القيم الأخلاقية وليدة المعرفة والإيمان بالله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العليا والاعتقاد بيوم الحشر والجزاء ?يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ?(1). ثمّ إنّ للمسائل العقائدية القسط الكبير من الأهمية والضرورة للبشر في عصرنا الحاضر وفي كلّ عصرٍ ومصر. ومن هنا نرى أنّ الدعوة إلى التوحيد كانت أوّل كلمة تُلقى إلى البشر من جانب أنبياء الله تعالى. القاعدة العشرون: الصلة بين التفسير والعلوم الجديدة: رسالة القرآن- كما عرفت- هي الهداية أي إراءة الطريق المستقيم الذي يوصل الإنسان الذي يسلكه إلى حياة طيبة في الدنيا والآخرة، وعلى هذا فمن الباطل أن نعتبر القرآن كتاباً علميّاً تكون الغاية منه تبيين القضايا العلمية وقوانينها السائدة في العالم ________________________________ 1ـ سورة آل عمران: 30.