ـ(136)ـ بعضاً، ولكنّك لم تُرزق عقلاً تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز ّوجلّ. فذكر الرجل موارد ممّا توهّم فيها التكاذب والتعارض، فأجاب عنها الإمام عليه السلام، وكشف القناع عن وجه الحقيقة وأزال الالتباس عنها. فقال الرجل: فرّجت عنّي فرّج الله عنك يا أمير المؤمنين ونفع الله المسلمين بك. ومن موارد الاشتباه لـه أنّه تعالى يقول: ?الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ?(1)، ويقول أيضاً:?... نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ...?(2)، وقال ?... وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا?(3)، قال الرجل: فمرّة يخبر أنّه ينسى، ومرّة يخبر أنّه لا ينسى. وأجاب عنه الإمام عليه السلام بأن قولـه: ?... نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ...? إنّما نسوا الله في دار الدّنيا، لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة، أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً، فصاروا منسيين من الخير، وكذلك تفسيره قولـه عزّ وجلّ: ?.... فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا...?، يعني بالنسيان أنّه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدّنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب، وأمّا قولـه ?... وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا? فإنّ ربّنا- تبارك وتعالى علوّاً كبيراً- ليس بالذي ينسى ولا يعقل، بل هو الحفيظ العليم. وقد يقول العرب في باب النسيان: قد نسينا فلان فلا يذكرنا، أي أنّه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به(4). وفي تفسير النعماني عن الإمام الصادق عليه السلام في وصف الذين ضربوا بعض القرآن ببعض: احتجّوا بالمنسوخ وهم يظنّون أنّه الناسخ، واحتجّوا بالمتشابه وهم يرون أنّه المحكم، واحتجّوا بالخاصّ وهم يقدّرون أنّه العام، واحتجّوا بأوّل الآية وتركوا السبب في ________________________________ 1ـ سورة الأعراف: 51. 2ـ سورة التوبة: 67. 3ـ سورة مريم 64. 4ـ راجع كتاب التوحيد للشيخ الصدوق، باب الردّ على الثنوية والزنادقة، الحديث 5.