ـ(134)ـ ويؤيّده ما كان عليه الأمر في زمن النبي صلى الله عليه وآله، فإنّ القرآن لم يكن مؤلّفاً بعد ولم يكن منه إلاّ سور أو آيات متفرقة في أيدي الناس، فكان في تفسير كلّ قطعة قطعة منه بمفردها خطر الوقوع في خلاف المراد. ثمّ إنّ المقصود بأنّ التفسير بالرأي خطأ وإن أصاب الواقع، هو أنّه ربما يأتي برأي يوافق الواقع من الشريعة لكنّه لم يصب في تفسير الآية ولم يبيّن ما هو المقصود منها. يأتي لذلك مثالاً قولـه سبحانه ?وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ?(1). فإن أخذنا بما يظهر من مفردات الآية من بادئ النظر حسب مالها من المعاني والمصاديق عند الإنسان، فيفسّر الشيء بمثل الذهب والفضّة والورق والأثاث والزينة والسلاح وأشباه ذلك ممّا يصلح لأن يخزن عند البشر، ويفسّر الخزانة بمكان خاصّ يحتفظ به على ما يختزنه الإنسان، وخصوصاً الحكّام والملوك، فهذا تفسيرٌ للآية بالرأي وتكلّمٌ فيها بغير علم، وهو مع ذلك خطأ ينافي نزاهته سبحانه عن نحو هذه النعوت البشرية. وإن تعالينا عن هذا المستوى وحكمنا بأنّ قولـه ? وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ? كناية عن مطاوعة الأشياء في وجودها لإرادته تعالى، وأنّ الإرادة بمنزلة مخزن يختزن فيه جميع الأشياء المخلوقة، وإنّما يخرج منه وينزل من عنده تعالى ما يتعلّق بمشيئته سبحانه، فهذا وإن لم يكن منافياً للواقع فإنّ الأمر في خلقة الأشياء كذلك، إلاّ أنّه قول بلا دليل، وإنّما هو تحميل رأي وعقيدة على الآية، وإن كان رأياً صحيحاً في محلّه. لكنّ الآية- وهي من آيات القدر كما يعطيه سياقها- تأبى الحمل عليه، والذي يستفاد بالتأمّل فيها وفي غرها من آيات القدر أنّها من غرر كلامه تعالى، تبيّن ما هو ________________________________ 1ـ سورة الحجر: 21.