ـ(110)ـ تعالى:?وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا?(1) حيث إنّ ظاهره هو النهي عن عبادة الأصنام، كما قال سبحانه: ?ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ?(2)، ولكن عند التدبّر فيها يظهر أنّ النهي عن عبادة الأوثان في الحقيقة يرجع إلى النهي عن عبادة غير الله سبحانه، كما قال في موضع آخر: ?أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ?(3). وبتدبّر أكثر يظهر أنّه لا فرق في النهي عن طاعة غيره تعالى بين طاعة الإنسان نفسه أو غيره، فكما تكون طاعة غيره سبحانه من دون إذنه مذمومة كذلك طاعة الإنسان لهوى نفسه كما قال سبحانه: ? أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ?(4). وبتحليل أعمق من هذا يتبيّن أنّ الالتفات إلى غيره تعالى... بأيّ وجهٍ كان ينافي حقيقة العبادة والعبادة الحقّة كما يقول سبحانه: ?وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ?(5). فهذه مراتب أربع لعبادة غير الله سبحانه، بعضها من الشرك الجليّ وبعضها من الشرك الخفيّ أو الأخفى، ولا منافاة بينها ولا تعارض، ويتحمّل الجميع قولـه: ?... وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا...?(6). القاعدة الحادية عشرة: التمييز بين ظاهر اللفظ ومألوف الذهن: لاريب أنّ ظواهر الآيات حجّة كظاهر كلام كلّ متكلّم على ما جرى عليه قانون المحاورة عند عقلاء البشر، لكن ها هنا نكتة يجب التنبيه عليها لئلا يشتبه علينا الأمر في حدّ الظاهر كما اشتبه على جماعة من السطحيّين، وهي أنّ المسميات المادية محكومة ________________________________ 1ـ سورة النساء: 36. 2ـ سورة الحجّ: 30. 3ـ سورة يس: 60. 4ـ سورة الجاثية: 23. 5ـ سورة الأعراف: 179. 6ـ انظر: القرآن في الإسلام الفصل الأوّل، البحث عن ظاهر القرآن وباطنه.