ـ(106)ـ "إذا حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم". وكذا ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنّه أخذه من أهل الكتاب، فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجّة على بعض، وما نقل عن الصحابة نقلاً صحيحاً فالنفس إليه أسكن ممّا ينقل عن التابعين، لأنّ احتمال أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وآله أو من بعض من سمعه منه أقوى، ولأنّ نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقلّ من نقل التابعين(1). وقال الإمام البلاغي في مقدمة تفسيره "آلاء الرحمن": "وأمّا الرجوع في التفسير وأسباب النزول إلى أمثال عكرمة ومجاهد وعطاء وضحاك- كما ملئت كتب التفسير بأقوالهم المرسلة- فهو ممّا لا يعذر فيه المسلم في أمر دينه فيما بينه وبين الله ولا تقوم به الحجّة لأنّ تلك الأقوال إن كانت روايات فهي مراسيل مقطوعة ولا يكون حجّة من المسانيد إلاّ ما ابتني على قواعد العلم الديني الرصينة، ولو لم يكن من الصوارف عنهم إلاّ ما ذكر في كتب الرجال لأهل السنّة لكفى، وإن الجرح مقدّم على التعديل إذا تعارضا، فانظر إلى ميزان الذهبي من كتب الرجال أقلاً"(2). تبصرة: هناك قاعدة عند علماء أُصول الفقه تقضي بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وفي ضوء هذه القاعدة لا تكون أسباب النزول مخصّصة لمداليل الآيات، إذا كانت لها حسب المنطوق والملاك عمومية من الدلالة. وفي ذلك يقول العلاّمة الطباطبائي: "ما ورد من شأن النزول لا يوجب قصر الحكم على الواقعة لينقضي الحكم بانقضائها ويموت بموتها، لأنّ البيان عامّ والتعليل مطلق، فإنّ المدح النازل في حقّ أفراد من المؤمنين أو الذمّ النازل في حقّ آخرين معلّلاً بوجود صفات فيهم، لا يمكن قصرهما على شخص ________________________________ 1ـ الإتقان في علوم القرآن 4: 204- 205. 2ـ آلاء الرحمن: 45- 46، مكتبة الوجداني، قم.