ـ(104)ـ يُحمد بما لم يفعل معذّباً لنُعذَّبَنَّ أجمعون. فقال ابن عباس: ومالكم ولهذه ! إنّما دعا النبي صلى الله عليه وآله يهود فسألهم عن شيء فكتموه إيّاه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما اُوتوا من كتمانهم، ثمّ قرأ ابن عباس: ? وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ _ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?(1). 3ـ حكي عن عثمان بن مظعون وعمرو بن معد يكرب أنّهما كانا يقولان: الخمر مباحة، ويحتجّان بقوله تعالى: ?لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ?(2). وخفي عليهما سبب نزولها، فإنّه يمنع من ذلك، وهو أنّه لمّا نزل تحريم الخمر، قالوا: كيف بإخواننا الذين ماتوا وهي في بطونهم، وقد أخبر الله أنّها رجس فأنزل الله تعالى: ?لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ...?(3). 4ـ ربّما يتوهّم أنّ قولـه تعالى: ?وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ?(4) ينافي القول بوجوب الاستقبال نحو الكعبة المشرّفة، لكنّ الذي يطّلع على سبب نزول الآية يستنتج أنّها عالجت حال نفر من المؤمنين ضلّوا في ليلة مظلمة فلم يدروا أين القبلة، فصلّى كلّ رجلٍ منهم على حاله تبعاً لاجتهاده(5)، فلم يضع الله لأحد منهم عمله، وأثابه الرضا عن صلاته ولو لم يتّجه إلى الكعبة، لأنّه لم يكن لـه إلى معرفة القبلة سبيل في ظلام الليل البهيم. ________________________________ 1ـ صحيح البخاري 3: 115، البرهان في علوم القرآن 2: 202- 203، والآيتان من سورة آل عمران 187- 188. 2ـ سورة المائدة: 93. 3ـ البرهان 1: 28، وأسباب النزول للواحدي: 140. 4ـ سورة البقرة: 115. 5ـ أسباب النزول: 23.