ـ(101)ـ القاعدة السادسة: علوم البلاغة: علوم البلاغة هي المعاني والبيان والبديع، فبالأوّل تعرف خواصّ تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، وبالثاني خواصّها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها، وبالثالث وجوه تحسين الكلام. ولا يخفى أنّ القرآن الكريم مبني على أرقى أنحاء البلاغة العربية وتفنّنها بمحاسن المجاز والاستعارة والكناية والإشارة والتلميح وغير ذلك من مزايا الكلام الراقي ببلاغته، ممّا كان مأنوس الفهم في عصر النزول ورواج الأدب العربي وقيام سوقه، وكان بحيث يفهم المراد منه ومزاياه بأُنس الطبع ومرتكز الغريزة كلّ سامع عربي. ولكن بعد اشتراك الأُمم في بركة الإسلام وامتلاء جزيرة العرب من الأُمم وتفرّق العرب بالتجنيد في غير البلاد العربية، تغيّر أُسلوب الكلام العربي عند عامّة الناس وتبدّلت مزايا الكلام وأساليب المحاورات، فعاد ذلك المأنوس غريباً في العامّة، وذلك الطبيعي الغريزي يحتاج في معرفته إلى ممارسة التطبّع وكلفة التعلّم والتدرّب في اللغة العربية وأدبها على النهج السوي. والغفلة عن وجوه المجاز والاستعارة والكناية ونحوها في القرآن الكريم أدّت بطائفة من أهل الظاهر إلى نسبة المحالات والقبائح إلى الله سبحانه، فمن ذلك نسبة الإضلال إلى الله جلّ اسمه في عدّة آيات من القرآن الكريم، فإنّ التعبير في ذلك بالإضلال مجاز فائق في الحسّ، يمثّل ببراعته حاجة الإنسان مع نفسه الأمّارة إلى لطف الله به وعنايته في توفيقه، وينبّه إلى أنّ خذلان الله للإنسان المتمرّد برفع العناية في التوفيق وإيكاله إلى نفسه شبيه بإضلاله في قوّة الأثر، ولأجل هذه المزايا الفائقة استُعير الإضلال لخذلان الله لعبده المتمرّد وإيكاله إلى نفسه والعياذ بالله. ومن ذلك الغفلة عن وجه المجاز في قولـه سبحانه ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ