وفاعل القبح قبل بعثة الرسل العقاب، وهذا مخالف لصريح الكتاب في قولـه تعالى: ?.. وما كنا معذبين حتّى نبعث رسولا?(1) وقوله سبحانه: ?ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى...?(2). وأجاب الشيعة عن هذا الدليل بأن العقل ـ وأن كانت لـه وظيفة الإدراك ـ إلاّ أن إدراكه محدد بحدود خاصة لا تتجاوز الكليات، فالإدراك منحصر في الكليات ولا يتناول الأمور الجزئية، كما لا يتناول مجالات التطبيق إلاّ نادراً، والكليات لا تستوعب شريعة ولا تفي بحاجات البشر. بل إنّ ثبوت الشرائع من أصلها يتوقف على التحسين والتقبيح العقليين، ولو كان ثبوتها من طريق شرعي لا ستحال ثبوتها(3). وقال الشوكاني: «وبالجملة، فالكلام في هذا البحث طويل، وإنكار مجرد إدراك العقل لكون الفعل حسناً أو قبيحاً مكابرة ومباهتة. وأما إدراكه لكون ذلك الفعل متعلقا للعقاب فغير مسلم، وغاية ما تدركه العقول: أن هذا الفعل الحسن يمدح فاعله، وهذا الفعل القبيح يذم فاعله، ولا تلازم بين هذا وبين كونه متعلقا للثواب والعقاب»(4). والخلاصة: يرى الشيعة ـ كما قرر الشيخ محمّد تقي الحكيم وغيره ممن سبقه كالشيخ المظفر في أصول الفقه ـ أن العقل مصدر الحجج واليه تنتهي، فهو المرجع الوحيد في أصول الدين وفي بعض الفروع التي لا يمكن للشارع المقدس إلاّ أن يصدر حكمه فيها كأوامر الطاعة...وما ورد من الأوامر الشرعية بالإطاعة فإنما هو إرشاد وتأكيد لحكم العقل لا أنها أوامر تأسيسية. والإدراك العقلي لا يؤدي إلى إنكار الشرائع، بل الاحتياج