«دل العقل على براءة الذمة عن الواجبات وسقوط الحرج عن الخلق في الحركات والسكنات قبل بعثة الرسل ـ عليهم السلام ـ، وتأييدهم بالمعجزات، وانتفاء الأحكام معلوم بدليل العقل قبل ورود السمع، ونحن على استصحاب ذلك إلى أن يرد السمع»(1). أي أن العقل يرشد إلى البراءة ويدل عليها، لا أنّه يقررها ويحكم بها. والشيعة الإمامية والمعتزلة كالغزالي يعتبرون العقل مدركا وليس بحاكم، فهم كغيرهم من المسلمين ـ كما تقدم ـ يرون أن لا حكم إلاّ من الله تعالى، وهذا مقرر بإجماع الأمة، إلاّ أنهم يذكرون أن العقل إذا أدرك قبل البعثة حسن شيء أو قبحه، فينبغي على المرء أن يفعل الحسن ويترك القبيح، كوجوب قضاء الدين ورد الوديعة، والعدل والإنصاف، وحسن الصدق النافع، وقبح الظلم وحرمته، وقبح الكذب مع عدم الضرورة، وحسن الإحسان واستحبابه(2)، فالعقل ليستقل بإدراك الحسن والقبح. والمراد بالحسن هنا: هو ما يترتب على فعله المدح في الدنيا، والثواب في الآخرة، والمراد بالقبيح: ما يترتب على فعله الذم في الدنيا والعقاب في الآخرة. ولا يتوقف إدراك ذلك على الشرع، والشرع فقط مؤكد لحكم العقل فيما يعلمه من حكم الله تعالى(3) وإذا أدرك الإنسان الحسن والقبح بهذا المعنى فيكلف به فعلاً أو تركا، ويترتب على ذلك الثواب أو العقاب في مخالفة ما أدركه العقل. فالحاكم حقيقة هو الشرع إجمالا، ولكن العقل في رأيهم كاف في معرفة حكم الشرع(4). والأشاعرة يخالفونهم في هذا الكلام بشقيه ك الإدراك والتكليف، لأنه لو لم يكن الحسن والقبح في الأفعال بحكم الشارع نفسه، وكان بحكم العقل، لا ستحق تارك الحسن