الاستقرار المنشود، بسب تفاوت العقول البشرية في إدراك الأمور، واختلافها في مقاييس الخير والشر، وقصور إدراكها لحقائق الأشياء، واكتشاف آفاق المستقبل، وتأثرها بالمصالح الذاتية واندفاعها وراء الأهواء والشهوات، وحماية الثروات الخاصة والفئات المعينة. حتّى إنّ المعتزلة الّذين يقولون: يصلح العقل لادراك حسن الأشياء كالصدق والمروءة فتكون مأموراً بها، وادراك قبحها كالكذب والقتل، فتكون منهيا عنها، يقولون: إنّ هذا قبل البعثة النبوية، وإن العقل لا ينشئ هذه الأحكام ولايضعها، وإنّما المنشئ لها هو الله رب العالمين، وحكم العقل مقصور على معرفة حكم الله تعالى في هذه الأشياء بواسطة إدراك صفات الحسن والقبح الذاتية فإذا أدرك ما فيها من حسن، أدرك حكم الله فيها، فيتعين عليه تركها ولا يتعدى عمل العقل معرفة الحكم وإدراكه، أما واضع الحكم ذاته ومذشئه فهو الله رب العالمين. ويقتصر دور المجتهدين باتفاق المذاهب الإسلاميّة على مجرد كشف الأحكام وإظهارها، بتفهم النصوص وتطبيقها والقياس عليها عند القائلين به، والاجتهاد في استخراج الأحكام منها، وليس فيه وضع للأحكام من عند أنفسهم، أو إنشاء لها بواسطة عقولهم وأفكارهم؛ لأنهم يستندون إلى الكتاب والسنة في كشف هذه الأحكام وبيانها، ولا يعتمدون على غيرها بتاتاً، سواء أكان الاجتهاد جماعياً أم فردياً. فسلطة التشريع في الإسلام هي لله رب العالمين، وللرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ، باعتبار أنّه رسول ومبلغ وحي الله إلى سائر الناس(1). والغزالي في مبحث دليل العقل والاستصحاب وهو الأصل الرابع لديه يعتبره دليلا على إدراك بعض الأحكام قبل البعثة، لا دليلاً على الحكم الشرعي ذاته، فيقول: