وهي أيضاً تقتضي تقدم الدليل الاجتهادي على الدليل الفقاهتي، ولكن ببيان آخر وطريقة أخرى تختلف بعض الشيء عن(الورود). وتطلق(الحكومة) في مدرسة الشيخ الأنصاري قدس سره على حالة خاصة من العلاقة بين الدليلين يكون فيها أحد الدليلين ناظرا إلى مفاد الدليل الآخر وشارحا له ومبينا لكمية مدلوله، حتّى إذا كانت هذه النظارة والشرح من الدليل الثاني للدليل الأول بغير الألفاظ المستعملة للشرح والتفسير نحو قولنا(بمعنى أي التفسيرية). وفي مورد (الحكومة) لا تنفي الأدلة الاجتهادية موضوع الأصول العملية نفيا تكوينيا بالوجدان كـ(الورود) وإنّما تنفيه نفيا تشريعيا وبتعبد من الشارع، وبحكم منه، ولعل ذلك هو سبب تسميته بـ(الحكومة) وهذه (الحكومة) ترد كثيراً في العلاقة بين الامارات والأصول الشرعية (البراءة الشرعية والاستصحاب)، فإن موضوع البراءة الشرعية بمقتضى حديث الرفع: (رفع عن أمتي ما لا يعلمون) هو الجهل بالحكم الشرعي، وبوصول خبر الثقة يرتفع الجهل بتعبدنا من ناحية الشارع، فإن المكلف يبقى من الناحية التكوينية لا محالة شاكا بالحكم الواقعي الشرعي، وجاهلا به ولا ينفي خبر الثقة الواحد جهله وشكه تكوينيا وبالوجدان، ولكن بما أن الشارع تعبدنا بحجية خبر الثقة وأتم الكشف الذاتي الناقص الموجود في هذه الأمارة فإن وصول خبر الثقة إلى المكلف يرفع الجهل بالحكم الواقعي الشرعي لديه بتعبد وتشريع من ناحية الشرع، ومع انتفاء الجهل تعبدا ينتفي موضوع الأصل فيثبت الدليل الاجتهادي ويتقدم على الدليل الفقاهتي ولا يعارضه الدليل الفقاهتي وهو يختلف عن طريقة تقدم خبر الواحد الثقة على الأصول العقلية فإن خبر الثقة بعد ثبوت حجيته من الشرع بيان من دون شك وهو يرفع موضوع البراءة العقلية ـ مثلا ـ وهو اللابيان بصورة تكوينية قطعا. وهذه (الحكومة) على ما اصطلح عليه الشيخ قدس سره نحو آخر من تقدم الامارات