يكشف لاحقا عن أن المتكلم لم يكن يقصد المعنى الظاهر من العام في استعماله الأول. فيتقدم على كلّ حال الدليل المخصص على الدليل العام، ولا يكون ثمة تعارض وتناف بين الدليلين، إذا إنّ الدليل المخصص بعينه قرينة موضحة لمراد المتكلم من الاستعمال الأول. فلو أمر الآمر بإكرام الفقراء، ثم نهى عن إكرام الفقراء الفساق فان النهي الثاني يعتبر قرينة على أن المتكلم لم يكن يقصد في الاستعمال الأول من كلية الفقراء عموم الفقراء وإنّما كان يقصد الفقراء العدول. أذن الجمع العرفي والعقلائي بين هذين الدليلين بعد ضم أحدهما إلى الآخر يقتضي تقييد المطلق وتخصيص العام من الاستعمال الأول إلى الاستعمال الثاني، واعتبار الدليل الثاني شارحا وموضحا لمراد المتكلم من الاستعمال الأول. وبذلك فلا يدخل التخصيص والتقييد في باب تعارض الأدلة. 3 ـ الورود: نستطيع أن نفهم معنى إجمالياً عن (الورود) بملاحظة العلاقة بين (الامارات) وبين الأصول العقلية العملية وهي البراءة العقلية والاحتياط والتخيير العقليان. أن خبر الثقة الواحد من الأمارات الظنية التي تثبت حجيتها بالدليل القطعي، بعكس النصوص المتواترة والمستفيضة الموجبة للقطع بنفسها والتي لا تحتاج إلى دليل من الشرع على حجيتها. فإذا ورد خبر من ثقة على حكم شرعي بعد ثبوت حجية خبر الثقة الواحد يعتبر هذا الخبر بيانا من قبل الشارع على ذلك الحكم، وبه يرتفع موضوع البراءة العقلية وهو (عدم البيان) من ناحية الشارع بناء على القاعدة العقلية المعروفة(قبح العقاب بلا بيان) فإن خبر الثقة الواحد بيان من ناحية الشارع قطعا وبه ينتفي موضوع الأصل، وهو عدم البيان.