والطبيعية محاور للنزاع والصراع الطائفي، فإذا بتلك الرحمة تنقلب نقمة، وذاك اليسر عسراً، وتلك السعة ضيقاً، وإذا بالحياة صورة من صور الموت. والواقع الذي ينبغي أن ينقد بكل دقة وحياد وموضوعية، أن هذه الصورة المستنكرة هي التي وقع عليها اختيار الأمة، فغلبت على مصادر ثقافتنا في التفسير وغيره، حتّى أصبحت النتيجة الوحيدة التي يخرج بها الدارس لهذا الواقع هي أنّه حتّى هذا النوع من الاختلاف في الفهم المستفاد من اللغة ـ كما يبدو في ظاهره ـ إنّما هو في الأصل خلاف مذهبي! فقد كان في الأصل مواقف مسبقة إزاء المفاهيم، وهذه المواقف هي التي تحكمت في طبيعة الاستفادة من اللغة وحدودها. فالذي يذهب إلى التشبيه يصر على إجراء معاني الألفاظ على ما يفهم من ظاهرها... والذي يذهب إلى التنزيه يوجب العدول من الحقيقة إلى المجاز في كلّ موضع لا يتفق والتنزيه الذي اعتقده، والذي يذهب إلى جواز المتعة يفسر قوله تعالى ?... فما استمتعتم به منهن...?(1) على ما يفهم من ظاهر اللفظ واستعماله، والذي لا يجيز ذلك يصرفه عن هذا المعنى مستفيداً من اللغة... وهكذا. وفي سائر هذه الاختلافات لم يكن المفهوم من اللغة هو الأصل الذي نشأت منه الاعتقادات، وإنّما العكس هو الذي كان. من هنا أصبحت هذه الاختلافات محاور بارزة في الصراع المذهبي الذي دخل سائر كتب التفسير التي تجاوزت حدود الرواية، خلا التجربتين الفريدتين في تفسيري «التبيان» و«مجمع البيان» ومواقف متفرقة أضافها الرازي في تفسيره.