وإنّما جعل الدرجات بالتقوى فقال: ?... إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم...? (1)، فلن يفضل فرداً على فرد إلاّ على حساب التقوى والورع وقرب المنزلة منه عز ّوجلّ، ولن يضيع عمل فرد ويقبل عمل آخر لاختلاف في الصورة والهيئة، كما أشار لذلك في كتابه المحكم فقال:?... أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض...?(2) وقد اهتم ديننا الحنيف ـ باعتباره دستوراً للحياة ومناراً للنجاة ـ بتقوية الأواصر والروابط بين الرجل والمرأة، لئلا يحصل خرق في مسيرة البشر، وثغرة تدخل من خلالها الغرائب، فجعل أصولاً وقواعد ينطلق من خلالها كلّ من الرجل والمرأة، فكلما كان الاعتماد على تلك الأصول أكثر كانت الكاشفية عن عظمة الخالق وتدبيره وإحاطته بالأمور أشد وأقوى. فمن الواجبات التي ألقيت على عاتق المرأة، وجعلت لها أصلاً تنطلق منه إلى كلّ مجال: الالتزام بالعفة التي عزز الله تعالى بها المرأة، فجعلها حلة ثمينة ودرة نفيسة تزينت بها المرأة المسلمة، وفاقت بنات جنسها بالعزة والافتخار. ومما يتفرع من تلك الحلة هو الاحتجاب عن الأجانب، الذي يمثل علو شخصية المرأة المسلمة وارتفاع مكانتها، فلم يكن إيجاب الستر عليها ظلماً واعتداء على حقوقها ـ كما زعم الجاهلون ـ بل هو الناطق عن مكانتها المرموقة في الإسلام، والحرص الشديد على حفظ كرامتها، إذ نرى المتهتكات السوافر وقد سلبت منهن عزة النفس وهيبتها وكرامتها، فحاولن أن يرجعنها بإظهار مفاتنهن للمجتمع، وابتذال صورهن الجسمانية للأجانب، وما هذا إلاّ ضعف في الشخصية ونقص يردن سده، فالحمد الله الذي كرمنا بالإسلام، وألبسنا حلة العفة والاحتجاب، وجعلنا من المهتدين بدين أهل البصائر والألباب.