فصفح عنه وتركه وكذلك موقفه مع الرجل الذي جاء يتقاضاه ديناً فأخذه من تلابيبه وجره حتّى أثر الثوب في عنقه الشريف فهم أصحاب رسول الله أن يأخذون فمنعهم، وأمرهم أن يعطوه خيراً من دينه. وأما خلق التواضع فيه ـ صلى الله عليه وآله ـ فقد بلغ في ذلك شأواً بعيد المنال، فقد كان ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول في دعائه: «اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين» فسئل ـ صلى الله عليه وآله ـ عن كثرة ما يدعو بذلك فأجاب بقوله: «لأن رحمة الله لا تفارقهم» فكان ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول: «آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد» كما أنّه يقول للرجل الذي أرسل إليه فوقف أمامه وارتعدت فرائصه: هون على نفسك إنّما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد، كما أنّه لا يتميز عن جلسائه، ويجلس حيث ينتهي به المجلس تواضعاً منه في غير مذلة، ويجيب دعوة الداعين، ويشارك الضعفاء في أمورهم وقضاء حوائجهم، ويقبل الهدية ولو كانت كراع شاة. وأما أخلاق سلف أمتنا من خيرة أهل القرون سواء كان ذلك من ناحية الخلق الفردي أم الجماعي فأولئك هم من الّذين قال عنهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: «خيركم قرني ثم الّذين يلونهم، ثم الّذين يلونهم» وقد قال ـ صلى الله عليه وآله ـ في أصحابه، وقرنهم خير القرون «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي لو انفق أحدكم مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ونصيفه». فهذا أبو بكر يمدحه الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ بلين الجانب: «أبو بكر كإبراهيم ألين من اللين » وهذا عمر بن الخطاب يمدحه الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ «عمر كنوح أشد من الحجر» وذلك لقوته في الحق، وهذا سيدنا عثمان يمدحه الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ بخلق الحياء «ألا استحي من رجل تستحي منه ملائكة الرحمن ؟ » وهذا علي رابع الخلفاء يمدحه النبي بقوله: «أقضاكم علي » ـ عليه السلام ـ، والقضاء عدل وأنصاف، فأي خلق أعظم من العدل يتخلق به أهل الحكم والقضاء؟