ومن ربط الجحاش فإن فينا قناً سلباً وأضراساً حسانا وكن إذا أغرن على قبيل فنعوذهن نهباً حيث كانا وأحياناً على بكر أخينا إذا مالم نجد إلاّ أخانا كما نجد ذلك في قول الآخر: إذا نزل السماء بدار قوم رعيناه وان كانوا غضابا فياترى أي أخلاق هذه لم يراع فيها حق الآخرين وحرمة الإنسان، ومراعاة حقوقه ولو كان ذا قربى، وأي عصبية هذه سولت لأصحابها أن يمنعوا من دخول دار الندوة ـ وهي الدار التي بناها قصي ـ إلاّ من بلغ سن الأربعين مالم يكن قرشياً فله دخولها ولو كان دون ذلك، وأي عصبية هذه التي دعت أصحابها أن يمنعوا مصاهرة بعض القبائل من بعض، أنها العنجهية التي حدت بأصحابها إلى أن يوسعوا غيرهم هجاء وذماً واسفافاً، وان يجعلوا لقبيلتهم فضل المحامد والمفاخر، وقد نجد هذه الصور والتصديقات في كثير من أقوالهم وأشعارهم فالشعر هو ديوان العرب الذي يعكس كلّ ما هم عليه. الفصل الثاني ـ معاملتهم واستبدادهم: لقد كانت معاملة المجتمعات قبل الإسلام يسودها الظلم والاستبداد، والهضم والاستعباد، وتغطيها سحب قاتمة كقطع الليل المظلم، وقد امتد استبدادهم بدخانه المظلم على من حولهم كافة فاستبد الأقوياء على الضعفاء، والمحظوظون على البؤساء، والأغنياء على الفقراء، والأحرار على الأرقاء يسومونهم الخسف والذل، وكانت معاملة هؤلاء معاملة لا يقرها عرف ولا يرضاها ضمير، فهذا أمية بن خلف يعذب مولاه بلالاً بن رباح، فبلال يعذب في الله على يد مولاه أمية بن خلف لا لسبب إلاّ لأنه آمن برسول الله محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ وبرسالته ونبوته، وهذا عمار بن ياسر هو وأبواه يعذبون على أيدي أسيادهم بلا رحمة ولا هوادة، وهذا صهيب الرومي يجرد من ماله عندما اعتزم الهجرة لله ورسوله