الأحاديث المروية عنه في النهي عن مفارقة الجماعة، فإنه ليس المقصود مطلق الجماعة ولو كانوا جماعة الباطل وأعداء الدين، ولذا كان التعبير الوارد في بعض النصوص «جماعة المسلمين». فالحق هو الملاك، والإسلام هو الغاية، والاجتماع عليه يكسبه قوة ومنعة ويحقق أهدافه. الوحدة والتبليغ للمذهب: كلّ فرد منا يحمل قناعات ويتبنى آراءً، ويحب أن يعرض هذه القناعات والآراء على الآخرين إما باعتبار أنها من نتاجات فكره أو لأنها هي الحق والصواب بنظره، وإذا توسعنا قليلاً نجد أن أصحاب المدارس الفكرية كذلك يحبون عرض مدرستهم ودعمها بالأدلة والبراهية والدفاع عنها، وكذلك الأمر على مستوى المذاهب والفرق الكبيرة، فقد يتوهم بعضهم أن التبليغ والدعوة لمذهب معين ينافي الوحدة والاجتماع ويؤدي إلى الفرقة والخلاف. والحقيقة أن التبليغ والدعوة في جوهرهما لا يؤديان إلى ذلك ما لم ترافقهما حالة من التعصب، وحالة من الجمود الفكري، وإذا تجاوز الداعية والمبلغ حدود الحوار الفكري إلى التربص بالآخرين والسعي لحذفهم وإسقاطهم. ونعم ما قيل في أن «الصراع الفكري دليل صحة ودليل يقظة مالم يؤد إلى انشقاق في صفوف الأمة ومواجهة عدائية»(1)، وهذا مما لا يحصل عادة في الأطر الصحيحة لعرض الأفكار والآراء وفي أجواء الحوار الفكري الخالص من شوائب الحقد والتعصب. وهل يمكن للأمة أن تبلغ رشدها الفكري إذا أوصدت باب حرية الفكر وسدت منافذ الحوار وجمدت الطاقات المخزونة في العقول البشرية؟