الناس يعتقد أن اختلاف وجهات النظر هو السبب الكامن وراء الفرقة والتشتت فتراهم يشعرون بالجزع والأسى إذا اختلف الفقهاء في الفتوى مثلاً، أو تباينت الآراء في مسألة معينة، وقد غفلوا عن حقيقة مفادها أن إلغاء مثل هذه الاختلافات لا يتم إلاّ إذا عطل الفكر عند البشر ومنع العقل من ممارسة نشاطه. نعم إنّ اختلاف وجهات النظر ثغرة قد يستغلها الأعداء وزارعوا الفتن، فيتخذون منها ذريعة لبث الفرقة والنزاع والخصومة. ولأجل هذا يفترض بالمسلمين أن ينتبهوا إلى هذه الحقيقة ويتعاملوا مع الاختلافات الفكرية على أنها ظاهرة صحة، وأنها حالة طبيعية، ومن ثم يحصرونها في إطار البحث العلمي، ولا يسمحوا لها بالتعدي والتجاوز لتصبح أدوات فتك وأسلحة دمار. ولعل أوضح دليل على ما نقول، ما نجده من اختلاف الآراء بين علماء الفريق الواحد الذي قد يبلغ مقداراً لا يقل عن اختلاف الآراء بين الفرق المتعددة، ومع ذلك لا يؤدي في الحالة الأولى إلى الخصومة والنزاع بينما في الحالة الثانية يشكل مادة لذلك. والسبب يمكن في طبيعة التعاطي مع تلك الاختلافات واستغلالها تارة في النزاع والخصومة وعدم استغلالها أخرى. فاختلاف الآراء ليس عاملاً من عوامل الفرقة والتشتت بمقدار ما هو أداة تستغل فيها، مثله مثل السلاح الذي يدخر لحالات النزاع والحرب، فقرار الحرب لا يتولد عن وجود السلاح وإنّما يتخذ لتوفر عوامل أخرى تؤدي إلى إشعال ناره، فإذا اتخذ قرار الحرب لجأ كل فريق إلى أسلحته ليفتك بالآخر. وما نشاهده اليوم عندما تشهر المسائل الخلافية في النزاعات المذهبية فهو من هذا القبيل. فلابد إذن أن نميز بين عوامل الافتراق والتشتت وبين الأدوات التي تستخدم فيه.