يخاطب عقولهم باعتبار أنّه القدر المشترك بين كلّ البشر، ويتابع منهج الحوار الفكري ما دام ذلك ممكنا. إذ أن هدف الإسلام الأساسي هو الوصول بالناس ـ كلّ الناس ـ إلى الحق والارتباط بالحق ليس أكثر. ?ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن أنّ ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين?(1). ولم ينكر الإسلام على الناس الشك في شيء إذا كان ذلك في طريق طلب الحقيقة وفي سبيل الوصول إلى اليقين، وإنّما انكر على المشككين الّذين يرفضون الحقيقة دون حجة ولا بينة، يدفعهم إلى ذلك حالة العناد والتقليد الاعمى هذا هو المنهج القرآني في طرح الحقيقة والدعوة إليها؛ فهو تارة يدعوهم للتدبر في الآيات الكونية وأخرى يطلب منهم التأمل بأنفسهم وإعمال عقولهم وثالثة ينقض عليهم دعاواهم، وهكذا يرسم منهج الحوار مع الفكر ومخاطبة العقول. ولا يلجأ إلى القوة والحسم إلاّ إذا مارسوا الطغيان ولجوا في العناد وتنكروا للعقل والدليل، وهو مع ذلك يترك الباب مفتوحاً إذا ما استجابوا لنداء العقل وتخلوا عن العناد ورضوا بالحق. ومن النوع الأول أيضاً الخلاف مع أهل الكتاب، لكن المسألة هنا تختلف من حيث سعة دائرة المشتركات، فهم يؤمنون بالله ويصدقون بالمعاد وبوجود الرسالات السماوية ـ بالجملة ـ فالحوار معهم كان مبنياً على أساس المسلمات المشتركة: ?ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن، إلاّ الّذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن لـه مسلمون?(2). ?قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلاّ الله ولا نشرك