على امتحان عسير تفرضه طبيعة الدين الجديد والوضع السياسي المحيط بالمدينة المنورة، فهو أحوج ما يكون إلى الاتحاد ورص الصفوف وإزالة جميع عوالم الاختلاف والتفرق ليتمكن ـ على ضعف امكاناته ـ من الصمود في وجه الأعاصير التي توشك أن تعصف من مختلف الاتجاهات. لقد قام ـ صلى الله عليه وآله ـ بالمؤاخاة بين المسلمين ليجعل من الإسلام محور وحدتهم واساس ارتباطهم وقطب حركتهم، وليجعل هذه القرابة الجديدة أقوى من قرابة الرحم والنسب وليجعل هذه الرابطة أوثق من رابطة القبيلة والوطن. لقد قضى بذلك ـ صلى الله عليه وآله ـ على العصبيات الجاهلية والنزعات المختلفة التي كانت تمزق المجتمع آنذاك وأحل محلها حالة من الالفة والاخوة لم يذق ذلك المجتمع طعمها من قبل، فصنع من ذلك المجتمع الناشئ الصغير قوة كبرى دافعت عن الإسلام واحتضنته بقوة وأفشلت كلّ المؤامرات التي استهدفت القضاء عليه، ثم حملت رايته المنتصرة لترفعها فوق ربوع الجزيرة العربية في مدة يسيرة ثم منها إلى أقطار المعمورة. أنّ من فضول القول الحديث عن اهتمام الإسلام بالاتحاد والألفة، ورفضه لعوامل التشتت والنزاع. عوامل التشتت والافتراق: قد يتصور بعضنا أن الحديث عن «الوحدة الإسلاميّة» في هذا العصر فيه نوع من المثالية وضرب من الخيال، نظراً لما آل إليه المسلمون من التفرق والاختلاف حتّى أصبحوا طرائق قدداً، الأمر الذي يجعل من لم الشمل واعادة اللحمة قضية عسيرة جداً. وهذه بالحقيقة يدفع الكثيرين إلى اليأس والاستسلام للواقع المرّ، وهو لا يزيد الشقة إلاّ عمقاً والجرح إلاّ اتساعاً. وفي المقابل هناك العديد من المخلصين الّذين نذروا أنفسهم للتقريب بين المذاهب