الاتحاد والتآلف، فهم يجتمعون عدة مرات في اليوم الواحد في تظاهرة وحدوية تنظم صفوفهم خلف إمام واحد، في اتجاه واحد، وقلوبهم نحو هدف واحد، هو طاعة الله وامتثال أمره وأداء فرضه. وصلاة الجمعة، مظهر آخر من مظاهر الاتحاد والاجتماع، وهي دورة تعبوية إسلامية، سياسية وعبادية ضمن المنهج الإسلامي. والأعياد الإسلاميّة العظيمة أيضاً تظاهرة اتحاد وتآلف بين المسلمين، فعن الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ وقد سئل عن علة جعل يوم الفطر عيداً، قال: «لأن يكون للمسلمين مجمعاً يجتمعون فيه ويبرزون إلى الله عز وجل فيحمدونه على ما من عليهم، فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة ويوم رغبة ويوم تضرع»(1). ولعل حج بيت الله الحرام من أبرز المظاهر العبادية التي يتجلى من خلالها الجانب الوحدوي، إذ انه أعظم مؤتمر يجتمع إليه المسلمون من جميع أقطار الدنيا تلبية لنداء ربهم، وليؤدوا مناسكهم في عبادة جماعية تضم المسلمين على اختلاف لغاتهم وألوانهم وأجناسهم وأحوالهم، في قلوب خاشعة خاضعة لم يوحدها سوى الإسلام ولم يجمع بينها إلاّ التقوى. هذه العبادات اليومية والموسمية التي شرعها الدين الإسلامي وغيرها مـن العبادات والأحكام الأخرى تكشف عن اهتمام الشريعة المقدسة ببناء مجتمع متحد متعاون متكافل كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص ولقد أكد الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ أهمية الألفة والاتحاد منذ اللحظات الأولى لدخول المدينة المنورة، ونفذ ذلك عملياً في حركة التآخي الفريدة فآخى بين المهاجرين والأنصار وبين الأنصار أنفسهم والمهاجرين أنفسهم، فقد كان المجتمع الإسلامي آنذاك في مستهل تشكيله وفي بداية نشوئه، وهو مقبل