هو الوجوب والتحريم على من اتصف بشرائط الاجتهاد وأمكنه القيام به، و إلاّ فالأغلب من الناس لو بذل عمره وأعطى أضعافه لما حصل لـه الترقي إلى درجة الاجتهاد(1). أما ابن حزم فالظاهر منعه عن التقليد بقدر ما يمكن للمكلف من الاجتهاد(2). وبهذا يتبين قول بعضهم ممن قال بالمنع يلتقي مع القول بالجواز كما يبدو من ابن حزم وعلماء حلب، فيما يرجع قول بعضهم الآخر إلى الجواز مع إضافة قيد أما إلى التقليد نفسه كقول الشوكاني وابن القيم اللذين عبرا عنه (بالإتباع)، أو إلى المجتهد الذي يجوز تقليده كما هو قول الأخباريين من الإمامية. ولعل التشديد عند هؤلاء في أمر التقليد وعدم إطلاق القول بالجواز هو: تمسك جماعات من المسلمين بمجتهد معين وتفويضهم إياه أمر دينهم، والتزامهم العمل بمذهبه فيما دق وجل وتقديمهم ما جاء عنه على بعض الأحاديث التي صحت عند غيرهم وعدم بحثهم عن صحتها بمجرد ترك الإمام لها، ظنا بأن عدم أخذهم بها دليل على ضعفها، وتصدر اناس من أصحاب المذاهب للفتوى ممن لا فرق بينهم وبين العامة إلاّ قليلا، والتلاعب بالفتوى من بعض هؤلاء، كلّ هذا من غير أن يبحثوا ومن غير أن ينظروا في آراء غيرهم من العلماء بعين الاعتبار(3). بقي القول الأول ـ أي الوجوب التعييني ـ وهو قول الحشوية والتعليمية، وكذلك ما حصل في عهود التقليد عند السنة التي أعلن فيها غلق باب الاجتهاد(4). والظاهر شذوذ هذا القول عن جمهور الأمة ولا يقول به الآن أحد. ومن خلال ما ذكرنا من البحث يتبين لنا أن القول الثالث ـ أي الوجوب التخييري ـ هو قول أكثرية الأمة.