الحقيقة وراء ذلك؟ أن الاستعانة بغير الله يمكن أن تتحقق بصورتين: 1 ـ أن نستعين بعامل ـ سواء كان طبيعياً أو غير طبيعي ـ مع الاعتقاد بأن عمله مستند إلى الله بمعنى أنّه قادر على أن يعين العباد ويزيل مشاكلهم بقدرته المكتسبة من الله وأذنه. وهذا النوع من الاستعانة ـ في الحقيقة ـ لا ينفك عن الاستعانة بالله ذاته لأنه ينطوي على الاعتراف بأنه هو الذي منح تلك العوامل ذلك الأثر، وأذن به وأن شاء سلبها وجردها منه. فإذا استعان الزارع بعوامل طبيعية كالشمس والماء وحرث الأرض، فقد استعان بالله ـ في الحقيقة ـ لأنه تعالى هو الذي منح هذه العوامل القدرة على انماء ما أودع في بطن الأرض من بذر ومن ثم إثباته والوصول به إلى حد الكمال. 2 ـ وإذا استعان بإنسان أو عامل طبيعي مع الاعتقاد بأنه مستقل في وجوده، أو في فعله عن الله فلا شك أن ذلك الاعتقاد يصير شركا والاستعانة معه عبادة. فإذا استعان زارع بالعوامل المذكورة وهو يعتقد بأنها مستقلة في تأثيرها أو انها مستقلة في وجودها ومادتها كما في فعلها وقدرتها فالاعتقاد شرك والطلب عبادة. وبذلك يظهر أن الاستعانة المنحصرة في الله المنصوص عليها في قولـه تعالى ]وإياك نستعين[، هي الاستعانة بالمعونة المستقلة النابعة من ذات المستعان به، غير المتوقفة على شيء فهذه هي المنحصرة في الله تعالى، وأما الاستعانة بالإنسان الذي لا يقوم بشيء إلاّ بحول الله وقوته، وإذنه ومشيئته، فهي غير منحصرة بالله سبحانه، بل أن الحياة قائمة على هذا الأساس فإن الحياة البشرية مليئة بالاستعانة بالأسباب التي تؤثر وتعمل بإذن الله تعالى.