الناحية الثالثة: أن جرأة العلماء على القيام بالبحث الحرّ في مسألة الاجتهاد وقبول تغيير الرأي فيها، اكثر بكثير منها في البحث عن سائر المسائل. وليس ذلك إلاّ لانّ عمليّة الاجتهاد تعتبر منهجاً لكشف الأحكام ومعلوم أن المنهج من جانب يكون البحث عن الكثير من عناصره بحثا نظرياً بحتا، وبديهيّ أن الجرأة في المسائل النظريّة البحتة اكثر من غيرها، ومن جانب آخر أنّ الباحث بما انّه يعرف ولو بصورة اجماليّة أن الخطأ في المنهج سوف يفتح امامه الأبواب إلى اخطاء كثيرة في مجالات الأحكام فتأخذه ـ في البحث عن المنهج واختيار نوعه ـ حساسيّة شديدة، وهذه الحسّاسيّة تؤدّي به إلى الجرأة في البحث. ولذلك نرى أن العلماء قد اثبتوا من خلال ابحاثهم حول الاجتهاد أنّهم في هذه المسألة اكثر استعدادا لقبول التغيير، ولقد كان الشيخ شلتوت يبدي آراء بديعة في هذا المجال، فهو مثلا يقول: «نريد تخريج أئمة في اللغة وفروعها، وائمة في الفقه واصوله، نريده تخريجا اساسه النظر العميق والاجتهاد العملي الّذي يكوّن الشخصيّة الفقهيّة والشخصيّة اللغويّة العربيّة، لا نريده تخريجا نلتزم فيه مخلفات الماضي من آراء ومذاهب، بل يجب أن نجتهد وان نؤمن بانّ حاجة اليوم في الفقه واللغة وعقائد الدين غيرها بالأمس، وأن نؤمن بأنّ فضل الله في كلّ ذلك لم يكن وقفا على الاولين»(1). ولا يخفى ان توفر عنصر الجرأة على ابداء الرأي في هذه المسألة جعلها اوسع ميداناً للتقريب. ومن هنا فقد ارتأينا في هذه المقالة إبراز نقاط الالتقاء او التقارب في العناوين الرئيسة للاجتهاد والتقليد بين المذاهب والبحث في موضوعاتها بما يبرز هذه النقاط. ومعلوم أنّ هذا الأمر لن تقتصر فائدته على موضوع الاجتهاد والتقليد خاصة، بل أنّ