وليس مفهوم هذه الدعوة ـ دعوة الوحدة والتقريب ـ يعني انصهار المذاهب في بوتقة واحدة، والذوبان في مذهب معين دون آخر، بل هو خطوة نحو جمع شمل المسلمين والتعارف في ما بينهم، والتقائهم بعد تنافرهم وتباعدهم، واستثمار ما وصلت إليه المذاهب الإسلاميّة الفقهية والكلامية للوصول إلى انطلاقة الفكر الإسلامي، وبيان سعة أفقه، وقدرته على المواجهة والتصدي لكل التيارات المناوئة للإسلام، و إلاّ لما كان لإطلاق لفظ التقارب من معنى. حيث أنّ التقارب في اللغة ضد التباعد(1)، وهو الدنو من الشيء. وفي الحديث القدسي الشريف: «من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً»(2) والمراد بقرب العبد من الله عز وجل: القرب بالذكر والعمل الصالح، لا قرب الذات والمكان(3). وهذا لا يعني التغافل أو التناسي عن حقيقة الخلافات الفكرية والعملية في المسائل الفرعية بين المذاهب الإسلاميّة كما هو السائد بين العلماء قديماً وحديثاً في فهم القرآن الكريم والسنة النبوية، في استنباط الأحكام الشرعية. فالاختلاف من هذا النوع من نتائج التفقه في الدين، والخوض في الأحكام المستنبطة طلباً للحقيقة، وبحثاً عن الصواب من أي ناحية أخذ، ومن أي جهة استبان. وهي تعبر عن آراء خاصة ليست واجبة الاتباع شرعاً، وإنّما هي فهم بشري للنصوص القرآنية والسنة النبوية وما ترتب عليها من القواعد العامة، فهي تحتمل الصواب والخطأ، وخاضعة للمناقشة العلمية، وليس لها صفة الثبات والخلود. ويدل على ذلك، ما ذكره العيني في حكاية طريقة نقلها في عمدة القاري، كما حكاها غير واحد أيضاً نصها: «ومما حكي عن عبد الوارث بن سعيد، قال: قدمت مكة،