نشأة الآخرة وبعده. ولا ينافي هذا استناد الحوادث إلى أسبابها القريبة المادية فإن السببية طولية لا عرضية أي إنّ السبب القريب سبب للحادث والسبب البعيد سبب السبب. كما لا ينافي توسطهم واستناد الحوادث إليهم استنادها إليه تعالى وكونه هو السبب الوحيد لها جميعاً على ما يقتضيه توحيد الربوبية، فإن السببية طولية كما سمعت، لا عرضية، وليس لشيء من الأسباب استقلال قباله تعالى حتّى ينقطع عنه فيمنع ذلك استناد ما اسند إليه إلى الله سبحانه على ما يقول به الوثنية من تفويضه تعالى تدبير الأمر إلى الملائكة المقربين، فالتوحيد القرآني ينفي الاستقلال عن كل شيء من كلّ جهة؛ لا يملكون لانفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً»(1). وقال ـ عند البحث عن اختصاص الحكم بالله تعالى ـ: «نظرية التوحيد التي يبني عليها القرآن الشريف بنيان معارفه لما كانت تثبت حقيقة التأثير في الموجود لله سبحانه وحده لا شريك لـه، كان الحكم الذي هو نوع من التأثير والجعل لـه تعالى، سواء في ذلك الحكم في الحقائق التكوينية أو في الشرائع الوضعية الاعتبارية، وقد أيد كلامه تعالى هذا المعنى، كقوله: ?... إن الحكم إلاّ لله...?(2)، وقوله: ?... إن الحكم إلاّ لله أمر ألا تعبدوا إلاّ إياه...?(3) إلى غير ذلك من الآيات. غير أنّه تعالى ربما ينسب الحكم ـ وخاصة التشريعي منه ـ في كلامه إلى غيره، كقوله تعالى: ?... يحكم به ذوا عدل منكم...?(4)، وقوله: ?يحكم بها النبيون?(5) إلى غير ذلك من الآيات، وضمها إلى القبيل الأول يفيد أن الحكم الحق لله بالأصالة وأولاً لا