لأصل التوحيد، أن يكون أفعال العباد أيضاً مخلوقا لـه سبحانه، ولازمه انتساب القبائح إليه تعالى وتقدس، ومن هنا ذهبت المعتزلة إلى نظرية التفويض وقالوا: إنّ الإنسان هو الفاعل لأفعاله ولا صلة لها بمشيئته وقدرته سبحانه، قال القاضي عبد الجبار: «وقوعه (فعل الإنسان) بحسب الدواعي يكشف عن اختصاص الفعل بنا وحدوثه من جهتنا»(1). وقد استشهد على ذلك بقوله تعالى: ?..فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...?(2) فقال: «فقد فوض الأمر في ذلك إلى اختيارنا»(3). وقال أيضاً بعد الإشارة إلى أن في أفعال الإنسان ما هي قبيحة عقلاً وشرعاً وأنه تعالى حكيم يقبح صدور القبيح عنه: «فلا يجوز أن يكون الله تعالى خالقها»(4). وقال في توجيه قولـه تعالى: ?الله خالق كلّ شيء..?(5): «إنّ المراد من الكلّ، هو أكثر الأشياء فلا يشمل أفعال الإنسان»(6). ويلاحظ عليه: أن عمومية الخلقة ولزوم استناد كلّ واقعية في وجودها إلى الإرادة الأزلية والقدرة المطلقة مما يحكم به العقل الصريح، والأحكام العقلية غير قابلة للتخصيص، كما أن العمومات القرآنية التي تنص على عمومية خلقته تعالى أيضاً أبية عن أي تقييد وتخصيص، هذا مضافاً إلى أن هناك آيات وردت في موارد خاصة من الأفعال القبيحة تصرح بأنها لا تقع إلاّ بأذن الله تعالى ـ أعني التكويني ـ منها ما تحكي عمل السحرة في عهد سليمان ـ عليه السلام ـ يقول سبحانه: ?..فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلاّ بإذن الله..?(7) فمن الواضح أنّه ليس المراد بالأذن في الآية هو الأذن التشريعي بل المقصود منه الأذن التكويني الراجع إلى إيجاده