فالمعلول ممتنع الوجود مع عدم علته، وقد أمضى القرآن الكريم صحة هذا القانون وعمومه، ولو لم يكن صحيحاً أو تخلف في بعض الموارد لم يتم الاستدلال به أصلاً، قد استدل القرآن به على وجود الصانع ووحدانيته وقدرته وعلمه وسائر صفاته. فإن قلت: إنّ القرآن الكريم إذ ينسب خلق كلّ شيء إليه تعالى ويحصر العلة الفاعلة فيه كان لازمه إبطال رابطة العلية والمعلولية بين الأشياء، فلا مؤثر في الوجود إلاّ الله وإنّما هي عادته تعالى جرت أن يخلق ما نسميه معلولاً عقيب ما نسميه علة من غير أن تكون بينهما رابطة توجوب وجود المعلول منها عقيب العلة، فالنار التي تستعقب الحرارة نسبتها إلى الحرارة والبرودة على السواء، والحرارة نسبتها إلى النار والثلج على السواء، غير أن عادة الله جرت أن يخلق الحرارة عقيب النار والبرودة بعد الثلج من غير أن يكون هناك إيجاب واقتضاء بوجه أصلاً. قلت: هذا النظر يبطل قانون العلية والمعلولية العام الذي عليه المدار في القضاء العقلي، وببطلانه ينسد باب إثبات الصانع ولا تصل النوبة مع ذلك إلى كتاب الهي يحتج به على بطلان رابطة العلية والمعلولية بين الأشياء، وكيف يسع أن يبطل القرآن الشريف حكماً صريحاً عقلياً ويعزل العقل عن قضائه؟ وإنّما تثبت حقيقته وحجيته بالحكم العقلي والقضاء الوجداني، وهو إبطال النتيجة لدليلها الذي لا يؤثر إلاّ إبطال النتيجة لنفسها. وهؤلاء إنّما وقعوا فيما وقعوا من جهة خلطهم بين العلل الطولية والعرضية، وإنّما يستحيل توارد العلتين على شيء إذا كانتا في عرض واحد، لا إذا كانت إحداهما في طول الأخرى»(1). توحيد الخالقية ومشكلة قبائح الأفعال: إنّ هاهنا مشكلة ينبغي تحليلها، وهي أن لازم القول بعموم خالقيته تعالى قضاء