يسوده الركود في جميع مناحيه الإبداعية. إن الشاعر المعاصر بذوقه المرهف وبمشاعره الفطرية المتسامية يرفض أن يبقى في إطار التقليد والاجترار والتكرار، ولكن أنى له أن يرتفع إلى المستوى الذي يريد إذا لم يكن ضمن تيار حضاري يشمل جميع مجالات الحياة. التجربة الإيرانية في الحداثة وحدة الدائرة الحضارية بين الايرانيين والعرب جعلت معظم التجارب الاجتماعية والثقافية مشتركة بينهما. ولا يخفى أن الإيرانيين ساهموا في اطار الحضارة الإسلامية بسهم واف في عملية التطوير الحضاري على مختلف الصعد العلمية والأدبية والفنية، ومتى ما ساد جو من الجمود لفترة انكسر هذا الجمود على يد ذوي العقليات المتطورة الحداثية. حين كانت تظهر شخصية تسيطر بفكرها على الساحة وتؤدي إلى انبهار الطلبة والدارسين، والى ابقاء الدراسات ضمن حدود ما قدمته من فكر كبير، يتصدى لها من يكسر هذه السيطرة المؤدية عادة إلى الجمود، وغالباً ما يصرح المتصدي بأنه أراد بعمله أن يدفع بعجلة التجديد والتطوير، ولدينا من ذلك الأمثلة الكثيرة في تراثنا، اكتفي بنموذج واحد هو محمد بن عبدالكريم الشهرستاني صاحب الملل والنحل (المتوفى سنة 548 هـ)، فهو حين رأى فكر ابن سينا قد أدى بالدارسين إلى الاكتفاء بالشروح والحواشي على مؤلفات هذا الفيلسوف الكبير تصدى له في كتاب سماه (مصارعة الفلاسفة) يقول في مقدمته: (وإنّما تسبر غرر العقل، وتبين قيمة الرجل عند مناجزة الأقران ومبارزة الشجعان، والاختبار يظهر خبيئة الأسرار، وبالامتحان يكرم المرء أو يهان. وقد وقع الاتفاق على أن المبرز في علوم الحكمة، وعلامة الدهر في الفلسفة، أبو علي الحسين بن عبدالله بن سينا، فلا يقفوه فيها قاف وإن نقض السواد، ولا يلحقه لاحق وإن ركض الجواد. وأجمعوا على أن من وقف على مضمون كلامه وعرف مكنون مرامه، فقد فاز بالسهم المعلّى، وبلغ المقصد الأقصى. بله الاعتراض عليه رداً ورضاً، وتعقب كلامه إبطالاً ونقضاً، فإن ذلك باب ضربت دونه الأسداد وقبضت عليه الحفظة والأرصاد. فأردت أن اصارعه مصارعة الأبطال، وأنازله منازلة الرجال، فاخترت من كلامه في الهيات