وأدونيس يقف عند الفرق بين البدعة والإبداع في مجال الشعر ـ وهو المجال الذي دارت فيه غالباً بحوث الحداثة دون غيرها من مجالات الفكر والفن ـ يقول: (كل إبداع هو ابداع عالم: فالشاعر الحق هو الذي يقدم لنا شعره عالماً شخصياً خاصاً، لا مجموعة من الانطباعات والتزيينات. إذن كل إبداع تجاوز وتغيير. حين ندرك هذا لا يعود صعباً أن نميز بين الجديد والمزعوم جديداً، بين الجدة والزي، بين الإبداع والبدعة، البدعة هي الهوس بالآني الحاضر العابر، هي هاجس الطرافة للطرافة، هي التعلق بالجديد لأنه جديد وحسب. وكثيراً ما يتداخل الإبداع والبدعة. فالزي يرافق الجدة دائماً. لكن البدعة نهر عابر، والإبداع نهر عميق باق. وفي حين تكون البدعة موجة، يكون الإبداع الحركة والعمق. فالبدعة ازياء والإبداع نبوة، والأزياء تعكس تموج الحياة، أما النبوة فتعكس أغوارها).(1 ) ويعرب ادونيس عن قلقه من انجراف الحياة العربية بقوى البدعة والسهولة لأنها لا تطوّر بل تزيد حالة الجمود تعقيداً.(2 ) ولا يذكر ادونيس سبب ضمور الابداع وطغيان البدعة، وهو توقف حركتنا الحضارية منذ قرون، فالإبداع لا يمكن ان يولد إلا في مسيرة حضارة متحركة، وفي غيرها لا نجد إلا التظاهر بالإبداع وهو (الزي) أو (البدعة) كما في تعبير أدونيس. والواقع أن كثرة الحديث عن (الحداثة) و(ما بعد الحداثة) في القصيدة العربية أوحى بأن قضية الحداثة الشعرية كأنها قضية ادبية بحتة بينما هي في الواقع قضية الإنسان في هذه المنطقة من العالم. يقول الدكتور عبدالعزيز المقالح: (تبدو قضية القصيدة الجديدة أحياناً في الواقع العربي المعاصر وكأنّها قضية أدبية بحتة، بينما هي في واقع الأمر قضية الجديد بعامة وقضية الإنسان الجديد على سبيل التخصيص، والانسان الجديد الذي اشير إليه هنا هو ذلك الذي حاول ويحاول بعد مراحل التقطع الحضاري والسقوط أن ينهض من كبوته ويصبح جديداً.. وأن يجعل أبعاد الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية تكتسب الوعي بالجديد، وتكون قادرة على التعبير عن هذا العصر وليس عن غيره من العصور).(1 ) ولعل الازمة التي يعانيها الشعر العربي المعاصر هو أنه يريد أن يتحرك لوحده في مجتمع