الإبداع متواصلاً والانتاج العلمي مستمراً والذوق الفني والأدبي متدفقاً على مر العصور. وفي إطار هذه الحركة الحضارية كان هناك تمييز واضح بين البدعة والإبداع، وبين (الحديث) الحقيقي و(الحديث) المزيف. البدعة لا تستند إلى جذور فهي الكلمة الخبيثة المماثلة للشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، والإبداع ينطلق من فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهو سبحانه بديع السماوات والأرض، والإبداع كلمة طيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت في فطرة الإنسان، وفرعها في السماء يباركه الله دائماً لتؤتي ثمارها باستمرار. والفرق بين البدعة والإبداع هو الفرق بين الحديث المزيف والحديث الحقيقي. وبعد توقف المسيرة الحضارية لأمتنا لأسباب لامجال لذكرها توقفت أيضاً حركة الابداع فيها. من هنا فإننا بدل ـ الإبداع والانتاج العلمي ـ وقعنا في جدل عقيم حول ما يردنا من اصطلاحات غربية، هذا يرفض، وهذا يقبل، وكلّ ذلك على مستوى الكلام والكتابة دون أن يكون لذلك غالباً ارتباط بحركة الأمة نحو مستقبل أفضل. التحدي الكبير الذي واجه امتنا في العصر الحديث هو انها أمة جامدة راكدة حضارياً وقد انفتحت على عالم الغرب المتحرك في جميع مجالات الحياة. الفطرة الإنسانية تحب الحركة والتحول والتطوير، وكان خطر الذوبان في الغرب كبيراً لولا تصدي القادة الفكريين المبدأيين الذين حافظوا على تماسك الأجيال بالخطاب الإسلامي المستند إلى ايضاح حقائق دين الفطرة والى بيان عظمة ما قدّمه الإسلام إلى الحضارة الإنسانية جمعاء، والى شد الشعوب الإسلامية بعودة حضارية مستقبلية. لكنّ هذا الخطر لا يزال قائماً إذا لم تتظافر الجهود على اعادة دورنا الحضاري على الساحة البشرية. لايزال جماعة من أنصار (الحداثة) في الآداب والفنون والتراث يستهينون بماضينا الحضاري ويدعون إلى الانقطاع عن الجذور تماماً. وهذه الدعوة تشكل بالدرجة الأولى أكبر خطر على مستقبلنا الحضاري، لأن الأمة لا تستطيع ان تتحرك إذا فقدت جوهر حضارتها وشخصيتها التاريخية.(1 ) لا أزعم أن كل انصار الحداثة وقعوا في فخ الإعراض عن شخصيتنا الحضارية، فأكثر من عرف بالتطرف منهم في هذا المجال له رؤية واضحة في الفرق بين الحديث الحقيقي والحديث الزائف، أو بين الحديث والجديد كما يسميه ادونيس.(2 )